×
شرح كتاب العبودية

وَالصَّبْرُ الْجَمِيلُ صَبْرٌ بِغَيْرِ شَكْوَى إِلَى الْمَخْلُوقِ؛ وَلِهَذَا قُرِئَ عَلَى أَحْمَدِ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مَرَضِهِ: أَنَّ طاوسًا كَانَ يَكْرَهُ أَنِينَ الْمَرِيضِ وَيَقُولُ: إِنَّه شَكْوَى. فَمَا أَنَّ أَحْمَدُ حَتَّى مَاتَ.

وَأمَّا الشَّكْوَى إِلَى الْخَالِق، فَلاَ تُنَافِي الصَّبْرَ الْجَمِيلَ؛ فَإِنَّ يَعْقُوبَ قَالَ: ﴿فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ [يوسف: 18]، وَقَالَ: ﴿إِنَّمَآ أَشۡكُواْ بَثِّي وَحُزۡنِيٓ إِلَى ٱللَّهِ [يوسف: 86]، «وَكَانَ عُمَرُ بنُ الْخطَّاب يقْرَأ فِي الْفجْر بِسُورَة «يُونُس» و«يوسف» و«النَّحل» فَمرَّ بِهَذِهِ الآْيَة فِي قِرَاءَته، فَبَكَى حَتَّى سُمِعَ نَشِيجُهُ مِنْ آَخِرِ الصُّفُوفِ» ([1]).

****

قَالَ تَعَالَى: ﴿۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ [فاطر: 15]؛ فالإِنْسَانُ فَقِيرٌ وَبِحَاجَةٍ إلى مَنْ يُعِينُهُ، مهما كان فهو فقير ومحتاج إلى الإعانة، ولكن يوجِّه طَلَبَ إعانته مِنَ الله تعالى.

وقوله: «أنَّ طاوسًا كان يَكْرَهُ أَنِينَ المَرِيضِ»: هو طَاوُوسُ بْنِ كَيْسَانَ اليَمَانِيُّ، أَحَدُ أئمَّة التَّابعين، كان يَكْرَهُ الأَنِينَ لِلمَرِيضِ؛ لأنَّهُ نَوْعُ شَكْوَى إلى المخلوقين، فلمَّا بَلَغَ الإمامَ أَحْمَدَ ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ، تَرَكَ الأَنِينَ حَتَّى مَاتَ رحمه الله؛ تَجَنُّبًا للشَّكْوَى إلى المخلوقين.

قوله: «وأمَّا الشَّكوى»: الشَّكوى ذِكْرُ حَاجَتِكَ، فَلْيَكُنْ ذَلِكَ إلى الخَالِقِ، والمُشْتَكَى إلى الله؛ فالله المُشْتَكَى؛ فالشَّكوى إلى الخالق عبادة، ولا تُنَافِي الصَّبر، ولهذا قَالَ يَعْقُوبُ عليه السلام لَمَّا فَقَدَ أَوْلادَهُ الثَّلاثَةَ: ﴿فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ [يوسف: 18]، ثمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿قَالَ إِنَّمَآ أَشۡكُواْ بَثِّي


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (715).