×
شرح كتاب العبودية

وَكلَّمَا قَوِيَ طَمَعُ العَبْدِ فِي فَضْلِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ وَرَجَائِهِ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ وَدَفْعِ ضَرُورَتِهِ، قَوِيَتْ عُبُودِيَّتُهُ لَهُ، وَحُرِّيَّتُهُ مِمَّا سِوَاهُ؛ فَكَمَا أَنَّ طَمَعَهُ فِي الْمَخْلُوقِ يُوجِبُ عُبُودِيَّتَهُ لَهُ، فَيَأْسُهُ مِنْهُ يُوجِبُ غِنَى قَلْبِهِ عَنْهُ، كَمَا قِيلَ: اسْتَغْنِ عَمَّنْ شِئْتَ، تَكُنْ نَظِيرَهُ وَأَفْضِلْ عَلَى مَنْ شِئْتَ، تَكُنْ أَمِيرَهُ؛

****

 عَلَيْهِ لمَّا مات عَمُّهُ أبو طالب الَّذي كان يُدَافِعُ عنه، وَيَحْمِيهِ من أذى قَوْمِهِ، وكذا تُوُفِّيَتْ زَوْجَتُهُ خديجة رضي الله عنها الَّتي كانت تُؤْنِسُهُ، وَتُطَمْئِنُهُ، وتُسرِّي عنه ما يُصِيبُهُ؛ فاشتدَّ عليه فَقْدُهُمَا، وَتَسَلَّطَ عَلَيْهِ المشركون، وَخَرَجَ إلى الطَّائف يَدْعُوهم إلى الله، لعلَّهم يَسْتَجِيبُونَ له.

لمَّا جَفَاهُ أَهْلُ مَكَّةَ، وَضَايَقُوهُ، خَرَجَ يَلْتَمِسُ مَنْ يُؤْوِيهِ؛ حتَّى يُبَلِّغَ دَعْوَةَ رَبِّهِ عز وجل ولكنَّ أَهْلَ الطَّائف قَابَلُوهُ مُقَابَلَةً سَيِّئَةً، وردُّوا عليه، وسلَّطوا سفهاءهم وَصِبْيَانَهُم يَرْمُونَه بالحجارة عليه الصَّلاة والسَّلام، ثمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَحْصُلْ على طائل.

أَهْلُ مَكَّةَ ضَايَقُوهُ، وَضَيَّقُوا عليه، وَأَهْلُ الطَّائف رَدُّوه، فَلَجَأَ إلى الله سبحانه وتعالى فَدَعَا بهذا الدُّعاء العظيم المشهور بدعاء الطَّائف؛ ولمَّا كان الرَّسول صلى الله عليه وسلم اشْتَكَى إلى الله عز وجل، فَهَذَا دَلِيلٌ على أنَّ الشَّكْوَى إلى الله لا تُنَافِي الصَّبْرَ.

قوله: «وكلَّما قَوِيَ طَمَعُ العبد في فَضْلِ الله، قَوِيَتْ عبوديَّته»؛أي: كلَّما قَوِيَتِ الرَّغْبَةُ فِيمَا عِنْدَ الله؛ لأنَّ هَذَا يدلُّ على كَمَالِ الإيمان، وَكَمَالِ التَّوحيد، والتَّوكُّل على الله، والدُّعَاءِ، والاستغاثة، والاستعانة به.


الشرح