وَاحْتَجْ إِلَى مَنْ شِئْتَ، تَكُنْ أَسِيرَهُ.
فَكَذَلِك طَمَعُ العَبْدِ فِي رَبِّهِ، وَرَجَاؤُهُ لَهُ، يُوجِبُ عبوديَّته لَهُ؛
وَإِعْرَاضَ قَلْبِهِ عَنِ الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ الله، والرَّجَاءُ لَهُ يُوجِبُ
انْصِرَافَ قَلْبِهِ عَنِ الْعُبُودِيَّةِ لله؛ لاَ سِيَّمَا مَنْ كَانَ يَرْجُو
الْمَخْلُوقَ، وَلا يَرْجُو الْخَالِقَ؛ بِحَيْثُ يَكُونُ قَلْبُهُ مُعْتَمِدًا
إِمَّا عَلَى رِئَاسَتِهِ وَجُنُودِهِ وَأَتْبَاعِهِ وَمَمَالِيكِهِ؛ وَإِمَّا
عَلَى أَهْلِهِ وَأَصْدِقَائِهِ، وَإِمَّا على أَمْوَالِهِ وَذَخَائِرِهِ،
وَإِمَّا عَلَى سَادَاتِهِ وَكُبَرَائِهِ؛ كَمَالِكِهِ، وَمَلِكِهِ؛ وَشَيْخِهِ،
وَمَخْدُومِهِ، وَغَيرِهِم مِمَّن هُوَ قد مَاتَ أَوْ يَمُوتُ. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَوَكَّلۡ
عَلَى ٱلۡحَيِّ ٱلَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ
بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: 58]
****
«فكما أنَّ طَمَعَهُ في المَخْلُوقِ
يُوجِبُ عبوديَّته»: أَيْ: كلَّما نَظَرْتَ إلى ما
عِنْدَ المخلوقين وَرَجَوْتَهُم وَسَأَلْتَهُم، صِرْتَ عَبْدًا لهم، وَذَلِيلاً
لَهُمْ؛ فَتَرَفَّعْ عَنْ هذا إلى عبوديَّة الخالق، وَسُؤَالِ الخالق عز وجل
تَعْتَزَّ.
قوله:
«كما قيل: اسْتَغْنِ عمَّن شِئْتَ، تَكُنْ
نَظِيرَهُ»: هذه حِكْمَةٌ؛ إذا اسْتَغْنَيْتَ عن شَخْصٍ، صِرْتَ مُسَاوِيًا
له؛ هُوَ عَبْدٌ، وَأَنْتَ عَبْدٌ؛ فلا أَنْتَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، ولا هو
يَحْتَاجُ إِلَيْكَ.
قوله:
«وَأَفْضِلْ عَلَى مَنْ شِئْتَ، تَكُنْ
أَمِيرَهُ»: إذا أَعْطَيْتَ أَحَدًا شَيْئًا، تَكُونُ أَرْفَعَ منه.
قوله:
«وَاحْتَجْ إِلَى مَنْ شِئْتَ، تَكُنْ
أَسِيرَهُ»: إذا احْتَجْتَ إلى شَخْصٍ، فَأَنْتَ أَسِيرٌ وَعَبْدٌ له؛ لأنَّ
قَلْبَكَ متعلِّق به، وَأَنْتَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ.
قوله:
«فَكَذَلِكَ طَمَعُ العَبْدِ فِي رَبِّهِ
وَرَجَاؤُهُ له يُوجِبُ عبوديَّته له»: أمَّا طمع العبد فيما عند الله ورجاؤه
له ورغبته فيما عند الله، فَتَتَرَسَّخُ عَقِيدَتُهُ؛ لأنَّ العِبْرَةَ
بالحَاجَةِ، فَإِذَا احْتَاجَ إلى أَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ،