فَإِن مَنِ اسْتُعْبِدَ بَدَنُهُ، وَاسْتُرِقَّ،
لاَ يُبَالِي إِذا كَانَ قَلْبُهُ مُسْتَرِيحًا مِنْ ذَلِك مُطْمَئِنًّا، بَلْ
يُمْكِنُهُ الاحْتِيَالُ فِي الْخَلاَص.
وَأمَّا إِذا
كَانَ الْقلبُ الَّذِي هُوَ مُلِكَ رَقِيقًا مستعبَدًا مُتَيَّمًا لِغَيْرِ الله،
فَهَذَا هُوَ الذُّلُّ والأَسْرُ الْمَحْضُ، والعُبُودِيَّةُ لِمَا اسْتَعْبَدَ
الْقَلْبَ.
وَعُبُوديَّةُ
الْقلْبِ وَأَسْرُهُ هِيَ الَّتِي يَتَرَتَّب عَلَيْهَا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ؛
فَإِنَّ الْمُسلمَ لَو أَسَرَهُ كَافِرٌ، أَوِ اسْتَرَقَّهُ فَاجِرٌ بِغَيْرِ حَقٍّ،
لَمْ يضرَّهُ ذَلِك إِذا كَانَ قَائِمًا بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ
الْوَاجِبَاتِ،
****
قوله:
«وأنَّه لا يَعْتَاضُ عنها بغيرها؛
فإنَّها حينئذ تَحَكَّمُ فيه بحكم السَّيِّد القاهر الظَّالم في عَبْدِهِ المقهور،
الَّذي لا يستطيع الخَلاصَ منه، بل أعظم»: لأنَّ كَيْدَ النِّسَاءِ عَظِيمٌ.
قوله:
«فَإِنَّ أَسْرَ القَلْبِ أَعْظَمُ مِنْ
أَسْرِ البَدَنِ»: لأنَّه لمَّا تعلَّق قَلْبُهُ بها، صَارَ أَسِيرًا،
وَأَسِيرُ البَدَنِ مُكَبَّلٌ بالحديد أو بالحبال، وَأَسِيرُ القلب مُكَبَّلٌ
بالحبِّ، وهو أَشَدُّ من الحديد والحبل؛ فقد يكون الإنسان مُوَثَّقًا في بدنه،
ولكن قَلْبُهُ حُرٌّ قَوِيٌّ؛ لأنَّه متعلِّق بالله سبحانه وتعالى فَأَسْرُ
القَلْبِ أَشَدُّ مِنْ أَسْرِ البَدَنِ.
قوله: «فإنَّ من استُعْبِدَ بَدَنُهُ واسترقَّ لا يُبَالِي إذا كَانَ قَلْبُهُ
مستريحًا مِنْ ذَلِكَ مُطْمَئِنًّا، بل يُمْكِنُهُ الاحتيالُ في الخلاص»: وذلك
يَذْكُرُ الله وعبادته، ولا يَضُرُّهُ أَسْرُ البَدَنِ.
ولكن
إذا كان قَلْبُهُ هو الأَسِيرَ، حتَّى ولو كان طَلِيقَ البَدَنِ، فالأَعْضَاءُ
تَابِعَةٌ للقلب؛ فإذا كان القَلْبُ أسيرًا، كَانَتِ الأعضاء مَأْسُورَةً؛ بِخِلافِ
العَكْسِ، ولو كانت الأَعْضَاءُ مَأْسُورَةً والقَلْبُ طَلِيقٌ لم يضرَّها ذلك.