×
شرح كتاب العبودية

وَمَنِ اسْتُعْبِدَ بِحَقٍّ إِذا أدَّى حقَّ الله وَحقَّ موَالِيهِ، لهُ أَجْرَانِ، وَلَو أُكْرِهَ على التَّكَلُّمِ بالْكفْر فَتكلَّم بِهِ وَقَلبُه مُطْمَئِنٌّ بِالإِْيمَان، لم يضرَّهُ ذَلِك

****

قوله: «وأمَّا إذا كَانَ القَلْبُ الَّذي هو المَلِكُ رَقِيقًا مُسْتَعْبَدًا متيَّمًا لِغَيْرِ الله» أي: محبًّا لِغَيْرِ الله؛ فالتَّتَيُّمُ دَرَجَةٌ من درجات المحبَّة؛ فإنَّه لا ينفعه أن يكون طَلِيقَ البَدَنِ.

قوله: «فإنَّ المُسْلِمَ لَوْ أَسَرَهُ كافر، أَوِ اسْتَرَقَّهُ فَاجِرٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، لم يَضُرَّهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ قائمًا بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ من الواجبات»؛ أي: إذا أُسِرَ بَدَنُهُ وَأَعْضَاءُهُ وَلَكِنْ قَلْبُهُ طَلِيقٌ ومتعلِّق بالله عز وجل فإنَّ ذلك لا يَضُرُّهُ؛ بِخِلافِ العَكْسِ؛ إذا كانت أَعْضَاءُهُ مُطْلَقَةً، وَلَكِنْ قَلْبُهُ مَأْسُورٌ؛ فهذا عَبْدٌ ذليل، ولا يَنْفَعُهُ إِطْلاقُ أَعْضَائِهِ وَجِسْمِهِ.

ولذلك لمَّا سُجِنَ شَيْخُ الإسلام ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله صَاحِبُ هذه الرِّسالة قال: «ماذا يَصْنَعُ أَعْدَائِي بِي؟ جَنَّتِي في صَدْرِي»؛ لأنَّه يَذْكُرُ الله عز وجل وَيَتْلُو القرآن، ويتأمَّل، ويتدبَّر كتاب الله؛ فهو مُرْتَاحٌ في السِّجْنِ، كأنَّه في رَوْضَةٍ.

 قوله: «وَمَنِ اسْتُعْبِدَ بِحَقٍّ»: يعني: أصابه الرِّقُّ الشَّرعيُّ في الحرب واسْتُرِقَّ، أمَّا الاستعباد بالغَصْبِ والنَّهْبِ فهو بغير حقٍّ، وهو من أشدِّ المحرَّمات؛ قال صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ ثَلاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ»، وَذَكَرَ مِنْهُمْ: «وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا، فَأَكَلَ ثَمَنَهُ» ([1]).


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (2227).