×
شرح كتاب العبودية

وَأمَّا مَنِ استُعْبِدَ قَلْبُهُ، فَصَارَ عَبْدًا لِغَيْرِ اللهِ، فَهَذَا يضرُّهُ ذَلِك، وَلَو كَانَ فِي الظَّاهِرِ مَلَكَ النَّاسَ؛ فالحرِّيَّة حرِّيَّة الْقلب، والعبوديَّة عبوديَّة الْقلب، كَمَا أَنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ؛ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَإِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» ([1]). وَهَذَا لعَمْري إِذا كَانَ قد اسْتَعْبَدَ قَلْبَهُ صُورَةٌ مُبَاحَةٌ، فَأَمَّا مَنِ اسْتَعْبَدَ قَلْبَهُ صُورَةٌ مُحرَّمَةٌ - امْرَأَةً أَو صبيًّا - فَهَذَا هُوَ الْعَذَابُ الَّذِي لاَ يَدَانِ فِيهِ

****

  قوله: «وأمَّا من استُعْبِدَ قَلْبُهُ، فَصَارَ عَبْدًا لغير الله، فهذا يَضُرُّهُ ذلك، ولو كان في الظَّاهر مَلَكَ النَّاسَ»: كما سَبَقَ أنَّه إذا اسْتُرِقَّ قَلْبُهُ لغير الله، فصار يَخْشَى ويخاف ويرجو النَّاس، ولا يخاف ولا يرجو الله، فهذا عَبْدٌ ذَلِيلٌ للخَلْقِ، ولو كان مَلِكًا من الملوك؛ فهو عبد مُسْتَعْبَدٍ للمخلوقين؛ لأنَّه يَرْضَى لهم، وَيَغْضَبُ لهم، وَيُطِيعُهُم، ولو في سَخَطِ الله عز وجل.

قوله: «فالحرِّيَّة حرِّيَّة القلب، والعبوديَّة عبوديَّة القلب»: هذه هي القاعدة؛ الحرِّيَّة حرِّيَّة القلب، والأعضاء تَبَعٌ له، والعبوديَّة عبوديَّة القلب، والأعضاء تَبَعٌ له؛ فالمَدَارُ على القلوب.

قوله: «كما أنَّ الغِنَى غِنَى النَّفس؛ قال النَّبيُّ: «لَيْسَ الغِنَى عَنْ كَثْرَةِ العَرَضِ، وَإِنَّمَا الغِنَى غِنَى النَّفْسِ»». فربَّما يكون كَثِيرَ المَالِ، فقير النَّفس، وربَّما يكون قليل المال، غَنِيَّ النَّفس.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (6446).