وَهَؤُلاَء مِنْ أَعْظَمِ النَّاس عذَابًا،
وَأَقلِّهمْ ثَوابًا؛ فَإِنَّ العاشق لِصُورَةٍ إِذا بَقِيَ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقًا
بهَا، مُسْتَعْبَدًا لَهَا، اجْتَمَعَ لَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ
مَا لاَ يُحْصِيهِ إِلاَّ رَبُّ الْعباد، وَلَو سَلِمَ مِنْ فِعْلِ الْفَاحِشَةِ
الْكُبْرَى، فَدَاوَمَ تَعَلُّقَ الْقَلْبِ بهَا بِلاَ فِعْلِ الْفَاحِشَة أَشَدُّ
ضَرَرًا عَلَيْهِ مِمَّنْ يَفْعَلُ ذَنْبًا ثمَّ يَتُوبُ مِنْهُ، وَيَزُولُ
أَثَرُهُ مِنْ قَلْبِهِ، وَهَؤُلاَءِ يشبَّهُونَ بالسَّكَارَى والمجانين،
****
فَكَثِيرٌ
من النَّاس عنده الملايين والمليارات والأرصدة الضَّخمة، ولكنَّه فقير القلب؛ لا
يجد لذَّة بأمواله، ويريد دائمًا الزِّيادة؛ لأنَّ قلبه فقير، لا يقنع بشيء، أمَّا
من رُزق القناعة وغِنَى القلب، فهو غَنِيٌّ، وإن لم يكن عنده إلاَّ القَلِيلُ من
المال.
قوله:
«فأمَّا من اسْتَعْبَدَ قَلْبَهُ صُورَةٌ
محرَّمةً - امرأةً أو صبيًّا - فهذا هو العَذَابُ الَّذي لا يَدَانِ فيه»: إذا
تعلَّق قَلْبُهُ بامْرَأةٍ، حتَّى وإن كانت زَوْجَةً له، فهذا في تعلُّقه بالمرأة
ذَلِيلٌ لها، وَعَبْدٌ لها.
قوله:
«وهؤلاء مِنْ أَعْظَمِ النَّاس عذابًا
وأقلِّهم ثوابًا»: أي: الَّذين يعشقون الصُّوَرَ؛ يكونون في عَذَابٍ دَائِمٍ.
والسَّبَبُ
في ذلك: «فإنَّ العاشق
لصورة إذا بَقِيَ قَلْبُهُ متعلِّقًا بها، مستعبَدًا لها، اجتمع له من أنواع
الشَّرِّ والفساد ما لا يُحْصِيهِ إلاَّ رَبُّ العباد»: ولذلك أَمَرَ اللهُ
بِغَضِّ البَصَرِ؛ قال اللهُ سُبْحَانَهُ: ﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ
وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ
بِمَا يَصۡنَعُونَ﴾ [النور:
30].
فَمَنْ
غَضَّ بَصَرَهُ، فإنَّ الله يزكِّي قَلْبَهُ، ويطهِّره من التَّعَلُّقِ بهذه
المَعْشُوقَاتِ، أو هذه المناظر الفاتنة؛ فَغَضُّ البَصَرِ يُنِيرُ القلب،
وَيُزَكِّيهِ،