×
شرح كتاب العبودية

فإذا كان يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبُ بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم الصَّلاة والسَّلام - جَرَى عليه من الابتلاء والامتحان ما قصَّه الله سبحانه وتعالى في سورة كاملة، فابتلي بأخذه من أبيه، وفراقه لأبيه وهو طفل صغير، وإلقائه في الجُبِّ - وهو البئر - يُرِيدُونَ التَّخلُّص منه، ثمَّ بعد إخراجه من الجُبِّ بِيعَ، وَصَارَ رَقِيقًا خَادِمًا عِنْدَ مَلِكِ مِصْرَ.

فلمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى وَكَانَ جَمِيلاً بَهِيًّا، أَلْقَى الله عليه الجَمَالَ الَّذي خَصَّهُ به؛ فَامْرَأَةُ العزيز - والنِّساء عَادَةً تُبْتَلَى بالعشق والتَّعلُّق بالرِّجال - بِحُكْمِ أنَّ يوسف عندها في بيتها أرادت منه الفاحشة، فانتقل من ابتلاء الجسم إلى الابتلاء بالنِّعمة وهو أَشَدُّ.

فَامْرَأَةُ العزيز حاولت معه، وهي امرأة مَلِكة، وعندها من الرَّفاهية والجمال ما ليس عند غيرها، فتصنَّعت، وغلَّقت الأبواب، وطلبت منه مواقعتَها، ولكنَّه أَبَى، واستعاذ بالله، وألحَّت عليه تطلب منه ما تريد، ولكنَّه أَبَى وَصَمَّمَ وقال: ﴿مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّيٓ أَحۡسَنَ مَثۡوَايَۖ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ [يوسف: 23].

فلمَّا رأى منها الإِلْحَاحَ وَخَافَ مِنْهَا، هَرَبَ يُرِيدُ الخُرُوجَ من الباب، فَلَحِقَتْ بِهِ، وَقَضَّتْ قَمِيصَهُ، تريد إمساكه عن الخروج، فصادف عند الباب قُدُومَ زَوْجِهَا، فلمَّا رأت زوجها، قَلَبَتِ الدَّعوى على يوسف عليه السلام وَكَذَبَتْ عليه، وادَّعت أنَّه هو الَّذي يُرَاوِدُهَا عَنْ نَفْسِهَا، وقالت: ﴿مَا جَزَآءُ مَنۡ أَرَادَ بِأَهۡلِكَ سُوٓءًا إِلَّآ أَن يُسۡجَنَ أَوۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ [يوسف: 25]؛ فقد ألقت التُّهْمَةَ والدَّعوى عليه، وهذا من مَكْرِ وَكَيْدِ النِّساء.


الشرح