مِنَ الْمَيْلِ إِلَى الصُّوَرِ والتَّعلُّق بهَا،
وَيصرف عَنهُ الْفَحْشَاء بإخلاصه لله. وَلِهَذَا يكون قبل أَن يَذُوق حلاوة
الْعُبُودِيَّة لله وَالإِْخْلاَص لَهُ تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ على اتِّبَاع هَواهَا؛
فَإِذا ذَاقَ طَعْمَ الإِْخْلاَص وَقَوِيَ فِي قَلْبِهِ، انْقَهَرَ لَهُ هَوَاهُ
بِلاَ عِلاجٍ.
****
وكلمة
﴿عِبَادِنَا﴾ هنا تعني العبوديَّة الخاصَّة؛ ثَنَاءً عَلَيْهِ،
وإلاَّ فإنَّ كلَّ النَّاس من عِبَادِ الله العبوديَّة العامَّة، ولكن هذه كلمة
ثَنَاءٍ عليه؛ ﴿إِنَّهُۥ
مِنۡ عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ﴾؛
فَبِسَبَبِ عبوديَّته وإخلاصه لله عز وجل نَجَّاهُ اللهُ من هذه المِحْنَةِ.
فدلَّ
على أَنَّ مَنْ أَخْلَصَ لله عز وجل فَإِنَّ اللهَ يُنْجِيهِ؛ ﴿إِنَّهُۥ مِنۡ
عِبَادِنَا ٱلۡمُخۡلَصِينَ﴾؛
فَهَذَا تَعْلِيلٌ عَامٌّ؛ فَكُلُّ مَنْ أَخْلَصَ لله عز وجل وَعَبَدَ اللهَ حَقَّ
عِبَادَتِهِ، فَإِنَّ اللهَ يُخَلِّصُهُ في الشَّدائد، كما قال النَّبيُّ صلى الله
عليه وسلم: «تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ فِي
الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ» ([1]).
قوله: «مِنَ المَيْلِ إلى الصُّوَرِ والتَّعَلُّقِ بها»: أي: صَانَهُ اللهُ
مِنْ ذَلِكَ؛ فالتَّعَلُّقُ بالصُّوَرِ والنَّظر فيها والمَيْلُ إليها، سَبَبٌ
للوقوع في الفَحْشَاءِ؛ فَيُوسُفُ صَرَفَ الله عنه السَّبب والمسبَّب؛ لأنَّه من
عباد الله المخلصين.
قوله: «ولهذا يكون قبل أن يذوق حلاوة العبوديَّة لله والإخلاص له تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ على اتِّباع هواها»: يحصل عنده قبل ذلك مَيْلٌ إلى الفِتَنِ، ولكنَّه إذا ذاق حلاوة الإيمان والإخلاص لله، فإنَّه يَسْتَقِرُّ قَلْبُهُ مَعَ الله سبحانه وتعالى فلا يَلْتَفِتُ إلى فِتْنَةٍ أو إِلَى مَنَاظِرِ سُوءٍ، أو إلى لَذَّةٍ عَاجِلَةٍ، وَشَهْوَةٍ حَاضِرَةٍ، وإنَّما يَنْظُرُ إلى المُسْتَقْبَلِ والعَوَاقِبِ.
([1]) أخرجه: أحمد رقم (2803)، والحاكم رقم (6303)، والبيهقي في «الشعب» رقم (1043).