×
شرح كتاب العبودية

«مِنْهَا»: مَا يحْتَاج العَبْد إِلَيْهِ، كَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من طَعَامه وَشَرَابِهِ وَمَسْكَنِهِ وَمَنْكَحِهِ، وَنَحْو ذَلِك. فَهَذَا يَطْلُبهُ مِنَ اللهِ، وَيَرْغَبُ إِلَيْهِ فِيهِ، فَيَكونُ المَالُ عِنْدَهُ يَسْتَعْمِلهُ فِي حَاجتِهِ بِمَنْزِلَةِ حِمَارِهِ الَّذِي يَرْكَبُهُ، وَبُسَاطه الَّذِي يجلس عَلَيْهِ؛

****

  وقوله: «مِنْهَا مَا يَحْتَاجُ الْعَبْدُ إِلَيْهِ كَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ طَعَامِهِ...»: فليس معنى مذمَّة حبِّ المال أن يَتْرُكَ المال، وَيَقْتَصِرَ على العبادة، بل إِنَّ طَلَبَ الرِّزْقِ من العِبَادَةِ؛ يُؤْجَرُ عليه؛ فهو يَطْلُبُ ما يَسْتَعِينُ به على حَيَاتِهِ وَعِبَادَةِ اللهِ، ولكن من الكَسْبِ الحلال الطَّيِّب؛ قال صلى الله عليه وسلم: «نِعْمًا بِالْمالِ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ» ([1])، والجهاد بالمال مقدَّم على الجهاد بالنَّفس في كتاب الله، وفي سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ الجهاد بالمال يتعدَّى نَفْعُهُ.

فالمال مطلوب، ولكن له طُرُقٌ شَرَعَهَا الله سبحانه وتعالى لِكَسْبِهِ وإنفاقه، غَيْرَ أنَّ كثيرًا من النَّاس لا يَقْنَعُ بهذه الطُّرُقِ، ولا تُرْضِيهِ؛ فهذا هو عَبْدُ المال، أمَّا الَّذي يَقْنَعُ بالطُّرُقِ المُبَاحَةِ ويأخذ المال للاستعانة به على عِبَادَةِ الله سبحانه وتعالى فهذا عَبْدٌ لله، والفَرْقُ بين هذا وذاك بَيِّنٌ.

قوله: «فَهَذَا يَطْلُبُهُ مِنْ الله وَيَرْغَبُ إلَيْهِ فِيهِ»: الإنسان بحاجة إلى طعام، وإلى شراب، وهذا لا يَصِلُ إليه إلاَّ بالمال، وكذا بحاجة إلى الزَّواج، ولا يتزوَّج إلاَّ بمال. لِذَا يَطْلُبُهُ من الله، وَيَبْذُلُ السَّبَبَ لِطَلَبِ الرِّزق مع الدُّعاء والتَّعلُّق بالله عز وجل.


الشرح

([1])  أخرجه: أحمد رقم (17763)، وأبو يعلى رقم (7336).