×
شرح كتاب العبودية

وَهَكَذَا حَال من كَانَ مُتَعَلقًا برئاسة أَو بِصُورَة وَنَحْو ذَلِك من أهواء نَفسه؛ إِن حَصَلَ لَهُ رَضِي، وَإِن لم يَحْصُلْ لَهُ سَخِطَ؛ فَهَذَا عَبْدُ مَا يَهْوَاهُ مِنْ ذَلِك، وَهُوَ رَقِيقٌ لَهُ؛ إِذِ الرِّقُّ والعبوديَّة فِي الْحَقِيقَة هُوَ رِقُّ الْقلب وعبوديَّته، فَمَا اسْترقَّ القَلْبَ واسْتَعْبَدَهُ؛ فَهُوَ عَبْدُهُ. وَلِهَذَا يُقَال:

العَبْدُ حُرٌّ مَا قَنَعَ **** وَالْحُرُّ عَبْدٌ مَا طَمِعَ

****

الأَسْوَاقِ والأَسْفَارِ والبِحَارِ، ولا يَأْتُونَ إلى المَسَاجِدِ إلاَّ نادرًا، وَيَتْرُكُونَ صلاة الجَمَاعَة، وفي هذا دَلِيلٌ على أنَّهم عَبِيدٌ للدِّرهم والدِّينار.

قوله: «وقد وَصَفَ ذَلِكَ بأنَّه «إذا أُعْطِيَ رَضِيَ، وإذا مُنِعَ سَخِطَ»»: فالضَّابِطُ في عبوديَّة المال أنَّه إذا أُعْطِيَ مِنْهُ رَضِيَ عن الَّذي يُعْطِيهِ، ولو كان عدوًّا لله، وإن لم يُعْطَ سَخِطَ على مَنْ لَمْ يُعْطِهِ، وإن كان وليًّا لله؛ فهو لا يُحِبُّ وَيُبْغِضُ مِنْ أَجْلِ الدِّين، وإنَّما يُحِبُّ وَيُبْغِضُ من أجل الدُّنيا. لِذَلِكَ عَقَدَ الشَّيْخُ محمَّد بن عبد الوهَّاب رحمه الله بابًا في كتاب التَّوحيد فقال: «باب من الشِّرْكِ إِرَادَةُ الإنسان بِعَمَلِهِ الدُّنيا».

قوله: «كما قال تعالى: »:﴿وَمِنۡهُم أي: مِنَ المنافقين، ﴿مَّن يَلۡمِزُكَ أي: يَلْمِزُ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ويتكلَّم في حقِّه، ويتنقَّص الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ﴿فِي ٱلصَّدَقَٰتِ أي: الزَّكَوَاتِ الَّتي هي من موارد بيت المال.

﴿فَإِنۡ أُعۡطُواْ مِنۡهَا رَضُواْ وَإِن لَّمۡ يُعۡطَوۡاْ مِنۡهَآ إِذَا هُمۡ يَسۡخَطُونَ [التوبة: 58]، هذا مِنْ صِفَاتِ المنافقين؛ أنَّ رِضَاهُمْ وَسَخَطَهُمْ لأَجْلِ الدُّنيا، وَلِغَيْرِ الله.

قَوْلُهُ: «وهكذا حَالُ مَنْ كَانَ متعلِّقًا برئاسة»: لأنَّه يَبْذُلُ كلَّ ما يستطيع لكي يَحْصُلَ على الرِّئَاسَةِ على قومه أو على دَوْلَتِهِ، ولو قَدَّمَ دِينَهُ ثَمَنًا لذلك - والعياذ بالله - لَمْ يُبَالِ.


الشرح