×
شرح كتاب العبودية

وَمن كَانَ يَكْرَهُ أَن يَرْجِعَ إِلَى الْكفْرِ بَعْدَ إِذ أَنْقَذَهُ الله مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ» ([1]). فَهَذَا وَافَقَ رَبَّهُ فِيمَا يُحِبُّهُ وَمَا يَكْرَهُهُ، فَكَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَحَبَّ الْمَخْلُوقَ لله؛ لاَ لغَرَضٍ آخَرَ، فَكَانَ هَذَا مِنْ تَمَامِ حُبِّهِ لله؛ فَإِنَّ محبَّة مَحْبُوب المَحْبُوبِ من تَمَامِ محبَّة المحبوب؛ فَإِذا أَحَبَّ أَنْبيَاء الله وَأَوْلِيَاءَ الله لأَجْلِ قيامهم بمحبوبات الْحَقِّ لاَ لشَيْءٍ آَخَرَ، فقد أحبَّهم لله، لاَ لِغَيْرِهِ.

****

  الثالثة: «وَمَنْ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَرْجِعَ في الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ الله مِنْهُ»؛ فَهُوَ يَكْرَهُ كُلَّ مَا خَالَفَ دِينَ الإسلام من الأَدْيَانِ، ولا يُحِبُّ إلاَّ دِينَ الإسلام، فلذلك يَكْرَهُ أن يَعُودَ في الكُفْرِ الَّذي هو ضِدُّ الإسلام، بعد إذ أَنْقَذَهُ اللهُ منه، «كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ»؛ فلا أَحَدَ يُحِبُّ أن يُقْذَفَ في النَّارِ كَمَا في هذه الحَالَةِ؛ فالمُسْلِمُ الحَقُّ والمُؤْمِنُ الحَقُّ يكره الكفر، ويكره أن يعود إليه، ويكره أهله، كما يكره أن يُقْذَفَ في النَّار.

فَهَذِهِ الخَصْلَةُ مَنْ وَجَدَهَا في نَفْسِهِ، وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمان، والطُّمَأْنِينَةَ، واللَّذَّةَ، وَمَنْ فَقَدَهَا أو فَقَدَ شَيْئًا منها، فإنَّه لا يَجِدُ حَلاوَةَ الإيمان، أو يَجِدُ بَعْضَهَا، ولا يَجِدُهَا كَامِلَةً، وهنا استقرار إيمانيٌّ؛ لا يُزَحْزِحُهُ شَيْءٌ، ولا يلتفت إلى من يَلُومُ مِنَ النَّاس؛ فلا تأخذه في الله لَوْمَةُ لائِمٍ. هذا هو الَّذي اسْتَقَرَّ الإيمَانُ في قَلْبِهِ، وَوَجَدَ حَلاوَتَهُ، فَتَمَسَّكَ به، واطْمَأَنَّ إليه.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (16)، ومسلم رقم (43).