قوله: «فَهَذَا وَافَقَ رَبَّهُ فِيمَا يُحِبُّهُ
وَمَا يَكْرَهُهُ»: الموافقة لله: أَنْ لا يُحِبَّ إلاَّ ما يُحِبُّهُ، ولا
يَكْرَهَ إلاَّ ما يكرهه.
قوله:
«فَإِذَا أَحَبَّ أَنْبِيَاءَ اللهِ
وَأَوْلِيَاءَ اللهِ لأَِجْلِ قِيَامِهِمْ بِمَحْبُوبَاتِ الحقَّ لاَ لِشَيْءٍ
آخَرَ، فَقَدْ أَحَبَّهُمْ للهِ، لاَ لِغَيْرِهِ»: فيحبُّ المَرْءَ لا يحبُّه
إلاَّ لله، وَأَوْلَى الخَلْقِ أن يحبَّه أَنْبِيَاءُ الله - عليهم الصَّلاة
والسَّلام - فَيُحِبُّ أنبياء الله محبَّة شديدة، ويتلذَّذ في ذِكْرِهِم، وَذِكْرِ
سِيَرِهِم، ويطمئنُّ إليهم.
وكذلك
يُحِبُّ أتباع أنبياء الله من المؤمنين؛ يُحِبُّ المؤمنين في أيِّ مَكَانٍ، وفي
أيِّ زَمَانٍ؛ ﴿رَبَّنَا
ٱغۡفِرۡ لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا
تَجۡعَلۡ فِي قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ
رَّحِيمٌ﴾ [الحشر: 10]؛ فلا يكون الحُبُّ
مُقْتَصِرًا على مُؤْمِنِ زَمَانِهِ، أو عَلَى مُؤْمِنِي بَلَدِهِ فَقَطْ، بل
يَكُونُ حُبُّهُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ على وَجْهِ الأرض.
وهذه
عَلامَةُ صِدْقِ الإيمان، وأمَّا إذا كان لا يُحِبُّ إلاَّ مَنْ في بلده أو في
دَوْلَتِهِ فهذه عنصريَّة، وهذا دَلِيلٌ على نَقْصِ إيمانه؛ فالمؤمن يُحِبُّ
المؤمنين في كُلِّ مَكَانٍ؛ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، وَيُبْغِضُ الكفَّار في أيِّ
مكان، حتَّى ولو كانوا أَقْرَبَ النَّاسَ إليه نَسَبًا وَمَكَانًا؛ يُبْغِضُهُم
لله عز وجل ولو كانوا مِنْ بَلَدِهِ، بل لو كانوا آبَاءَهُ أو أَبْنَاءَهُ أو
إِخْوَانَهُ.
فهو
يُحِبُّ أَنْبِيَاءَ الله وَأَتْبَاعَهُم «لأجل
قيامهم بمحبوبات الحَقِّ»؛ لا يُحِبُّهُم مِنْ أَجْلِ الدُّنيا أو من أجل
القرابة والوطن، بل يُحِبُّهُم لقيامهم بمحبوبات الله عز وجل.