×
شرح كتاب العبودية

وَاليَأْسُ غِنىً، وَإِنَّ أَحَدَكُم إِذا يَئِسَ مِنْ شَيْءٍ، اسْتَغْنَى عَنْهُ». وَهَذَا أَمْرٌ يَجِدُهُ الإِْنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ؛ فَإِنَّ الأَْمْرَ الَّذِي يَيْأَسُ مِنْهُ لاَ يَطْلُبهُ، وَلاَ يَطْمَعُ فِيهِ، وَلاَ يَبْقَى قَلْبُهُ فَقِيرًا إِلَيْهِ، وَلاَ إِلَى مَنْ يَفْعَلُهُ، وَأَمَّا إِذا طَمِعَ فِي أَمْرٍ مِنَ الأُْمُورِ وَرَجَاهُ، تعلَّق قَلْبُهُ به، فَصَارَ فَقِيرًا إِلَى حُصُولِهِ؛ وَإِلَى مَنْ يَظُنُّ أَنَّه سَبَبٌ فِي حُصُولِهِ، وَهَذَا فِي المَالِ وَالجَاهِ وَالصُّوَرِ وَغَيْرِ ذَلِك.

****

قوله: «واليَأْسُ غِنىً»: لأنَّه لا يَلْتَفِتُ إلى شَيْءٍ، ولا يُذَلُّ لِشَيْءٍ، ولهذا يَقُولُونَ: اليَأْسُ قوَّة، أمَّا الطَّمع فهو ضَعْفٌ.

قوله: «وإنَّ أحدكم إذا يَئِسَ مِنْ شَيْءٍ، اسْتَغْنَى عنه»: إذا يَئِسْتَ من الشَّيء، اسْتَغْنَيْتَ عنه، ولم تَلْتَفِتْ إِلَيْهِ. قال الشَّاعِرُ:

غَنِيٌّ بِلا مَالٍ عَنِ النَّاسِ كُلِّهِمِ **** وَلَيْسَ الغِنَى إِلاَّ عَنِ الشَّيْءِ لا بِهِ

 قوله: «وهذا أَمْرٌ يَجِدُهُ الإنسان من نَفْسِهِ؛ فإنَّ الأَمْرَ الَّذي ييأس منه لا يَطْلُبُهُ ولا يَطْمَعُ به»: فاليَأْسُ قوَّة كما يقولون؛ فإذا يَئِسْتَ من الشَّيءِ اسْتَرَحْتَ، ولا يَخْطُرُ على بَالِكَ.

قوله: «وهذا في المَالِ والجَاهِ» يُطْمَعُ؛ وَلِذَلِكَ إذا طَمِعَ في المَالِ، صَارَ المَالُ هُوَ أَكْبَرُ هَمِّهِ؛ له يَرْضَى وله يَسْخَطُ، وَعَلَيْهِ يُعَادِي، وَلَهُ يُوَالِي، وَالجَاهُ أَيْضًا بَلاءٌ؛ فَحُبُّ الرِّئَاسَةِ بَلاءٌ؛ لأَنَّ المَطْلُوبَ التَّوَاضُعُ، فَمَنْ يُحِبُّ الرِّئَاسَةَ قَدْ يَتْرُكُ دِينَهُ؛ لِيَحْصُلَ على الرِّئَاسَةِ.

«والصُّوَر وغير ذلك» المُرَادُ بِهَا عِشْقُ النِّسَاءِ، وَالتَّعَلُّقُ بِهِنَّ، وَلِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ بِغَضِّ البَصَرِ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ ٣٠ وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ


الشرح