وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهَا فَفَعَلَ مَا
يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، كَانَ لَهُ كَأَجْرِ الْفَاعِلِ كَمَا قَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً، كَانَ لَهُ مِنَ
الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنِ اتَّبَعَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ
أُجُورِهِمْ شَيْئًا؛ وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الوِزْرِ
مِثْلُ أَوْزَارِ مَنِ اتَّبَعَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ
شَيْئًا» ([1])، وَقَالَ: «إِنَّ
بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا
إِلاَّ كَانُوا مَعكُمْ». قَالُوا: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: «وَهُمْ
بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ» ([2]) وَ«الْجهَادُ»
هُوَ بَذْلُ الوُسْعِ؛ وَهُوَ الْقُدْرَةُ فِي حُصُولِ مَحْبُوبِ الْحَقِّ،
وَدَفْعِ مَا يَكْرَهُهُ الْحَقُّ، فَإِذا تَرَكَ العَبْد مَا يقدر عَلَيْهِ من
الْجِهَادِ، كَانَ دَلِيلاً عَلَى ضَعْفِ مَحَبَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ فِي
قَلْبِهِ،
****
قوله: «وإن كان عاجزًا عَنْهَا فَفَعَلَ ما يَقْدِرُ عَلَيْهِ من ذلك، كان له
كَأَجْرِ الفاعل»: قد يَعْجَزُ الإنسانُ الَّذي يُحِبُّ الخَيْرَ وَيُحِبُّ ما
يُحِبُّهُ الله ورسوله عن فعل كلِّ ما يحبُّه الله وَرَسُولُه، فإذا عَجَزَ وهو
يَنْوِي لو امتلك القدرة لَفَعَلَ ذَلِكَ، كَتَبَ اللهُ لَهُ أَجْرَ مَنْ
فَعَلَهُ.
قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بِالمَدِينَةِ لَرِجَالاً مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا، إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ». قالوا: وهم بالمدينة؟ قال: «وَهُمْ بِالمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ العُذْرُ» ([3]). قال هذا وهو في غَزْوَةِ تَبُوك، وهم الَّذِينَ أَقْعَدَهُمُ المَرَضُ، وَأَقْعَدَهُمُ الفَقْرُ، وَلَمْ يَخْرُجُوا مع الرَّسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغَزْوَةِ،
([1]) أخرجه: مسلم رقم (2674).