فالقلب لاَ يصلح، وَلاَ يفلح، وَلاَ يلتذ ولا يسر،
وَلاَ يطيب، وَلاَ يسكن، وَلاَ يطمئن إِلاَّ بِعبَادة ربه، وحبه والإنابة
إِلَيْهِ. وَلَو حصل لَهُ كل مَا يلتذ بِهِ من المَخْلُوقَات لم يطمئن وَلم يسكن
إِذْ فِيهِ فقر ذاتي إِلَى ربه، من حَيْثُ هُوَ معبوده ومحبوبه ومطلوبه، وَبِذَلِك
يحصل لَهُ الفَرح وَالسُّرُور واللذة وَالنعْمَة والسكون والطمأنينة.
****
وَكَذلكَ:
«القَلبُ فَقِيرٌ بِالذَّاتِ إِلى اللهِ
مِن «وَجهَينِ»: أَي: قَلبُ المُؤمِنِ فَقيرٌ إِلَى اللهِ سُبحَانه مِن وَجهَيْنِ:
الوَجهُ
الأَوَّل: أنَّه مُفتَقِرٌ إِلى العِبَادَة، لأَِنَّ العِبَادةَ
هِي الغَايةُ التِي خُلقَ مِن أَجلِهَا، كَمَا قَال تَعَالى: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ
ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾
[الذاريات: 56]، فَلاَ يُسْتَغنَى عَن عِبَادَة اللهِ بِحالٍ.
وَلِذلِكَ: «فَالقلبُ لاَ يَصلُح، وَلا يُفْلِحُ، وَلا
يَلتَذُّ وَلا يُسَرُّ، وَلا يَطِيبُ، وَلا يَسكُنُ، وَلا يَطمَئِنُّ إِلا
بِعِبَادةِ رَبِّه، وَحُبِّه وَالإِنَابَةِ إِليه»: فَقلبُ المُؤمِنِ لا
يَطمَئِنُّ وَلا يَسكُنُ إِلا بِعِبادَةِ رَبِّه، كَمَا قَال سبحانه وتعالى: ﴿ٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ
تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ﴾
[الرعد: 28]، فَلا يَطمَئِنُّ المُؤمِنُ إِلَى شَيءٍ؛ إِلاَّ إِلى رَبهِ سُبحَانهُ
وَتَعالَى، أَمَّا بَقيَّةُ الأمُورِ وَإِن مَالَ إِليهَا فَإِنَّه لاَ يَطمَئِنُّ
إِلَيهَا، وَلِهَذا قَالَ:
«وَلوْ حَصَل لَهُ كُلُّ مَا
يَلتَذُّ بِه مِنَ المَخلُوقَات لَم يَطْمَئِن»: أي: لَو
حَصَلَت لَهُ كُلُّ المَلَذاتِ الدُّنيَويَّةِ؛ مِنَ المُلكِ وَالمَالِ والوَلَدِ
والصِّحَّةِ والعَافيَةِ وأَنوَاعِ المَأكُولاتِ والمَشرُوبَات؛ فَإنَّه لاَ
يَطمئِنُّ قَلبُهُ إِليهَا؛ لأَِنَّها عَلَى سَبيلِ الزَّوَال وَلا يَبْقى إِلاَّ
اللهُ سبحانه وتعالى وَمَا أُريدَ بِه وَجهُهُ.