×
شرح كتاب العبودية

بل الاستقراء يدل على أَنه كلما كَانَ الرجل أعظم استكبارًا عَن عبَادَة الله كَانَ أعظم إشراكًا بِاللَّه؛ لأَِنَّهُ كلما استكبر عَن عبَادَة الله ازْدَادَ فقره وحاجته إِلَى المُرَاد المحبوب الَّذِي هُوَ المَقْصُود: مَقْصُود القلب بِالقَصْدِ الأول، فَيكون مُشْركًا بِمَا استعبده من ذَلِك. وَلنْ يَسْتَغْنِي القلب عَن جَمِيع المَخْلُوقَات إِلاَّ بِأَن يكون الله هُوَ مَوْلاَهُ الَّذِي لاَ يعبد إِلاَّ إِيَّاه، وَلاَ يَسْتَعِين إِلاَّ بِهِ، وَلاَ يتوكل إِلاَّ عَلَيْهِ وَلاَ يفرح إِلاَّ بِمَا يُحِبهُ ويرضاه، وَلاَ يكره إِلاَّ مَا يبغضه الربُّ ويكرهه، وَلاَ يوالي إِلاَّ من وَالاَهُ الله، وَلاَ يعادي إِلاَّ من عَادَاهُ الله، وَلاَ يحب إِلاَّ لله، وَلاَ يبغض شَيْئًا إِلاَّ لله، ولا يعطي إلا لله، ولا يمنع إلا لله. فَكلما قوِي إخلاصُ دينهِ للهِ كمُلت عبوديته واستغْناؤه عَن المَخْلُوقَات،

****

قَولُه: «بَل الاسْتقْرَاء يَدلُّ عَلى أنَّه كُلَّما كَان الرَّجُل أَعظَم اسْتكْبَارًا عَن عِبَادَة اللهِ كَان أعْظَم إشْرَاكًا بِاللهِ»: فَمَن تَتَبَّع الآيَات وَقصَص الأُمم يَدلُّه الاسْتقْرَاءُ عَلى أنَّه كُلَّما كَان العَبدُ أَشدَّ تَكبُّرًا كَان أعْظَمَ شِركًا باللهِ عز وجل، فَالكِبر يَحملُ عَلى الشِّركِ.

قَولُه: «وَلن يَستَغْني القَلبُ عَن جَميعِ المَخلُوقَاتِ»: لاَ يَستغْنِي القَلبُ عَن الخَلقِ إِلاَّ إِذا كَان اللهُ جل وعلا هُو مَعبُودهُ وَحدَهُ لاَ شَريكَ لَه، حِينئِذٍ يَستَغني عَن غَيرِ اللهِ عز وجل، ثُمَّ إِذا تَرك عِبَادة اللهِ وَكلَه اللهُ لِلخلْقِ؛ لأنَّه بِنفْسِه لاَ يَستطِيعُ أَن يُحقِّق مَا يَصبو إِليهِ مِن الكِبرِ، فَلا بُدَّ مِن الأعْوان والأتْبَاع والقُوَّة، فَهو يَحتاجُ إِلى النَّاس، لَكن لَو اسْتَغنَى بِالله لأغْنَاه اللهُ عَن جَميع الخَلقِ، وَتولاه وَنَصرَه وَأعزَّهُ وَرفعَهُ فِي الدُّنيا والآخِرةِ.


الشرح