فَالنَّصارى أشْرَكُوا بِالله؛ حَيثُ اتَّخَذوا
أحبَارَهم وَرُهبانَهم أرْبَابًا مِن دُون اللهِ، والأحْبَار هُم: العُلَماء،
والرُّهْبَان هُم: العُبَّاد.
واتَّخَذوا
المَسيحَ أَيضًا رَبًّا وإلهًا مِنْ دُونِ الله عز وجل، وَقدْ بَيَّنَ النَّبيُّ
صلى الله عليه وسلم كَيفَ اتَّخَذوا أحْبَارهُم وَرُهبانَهم أَربابًا مِن دُونِ
اللهِ؛ حَيثُ إِنهمْ كَانوا يُحرِّمُون عَلَيهِم الحَلاَل، ويحلون لَهُم
الحَرَامَ، فَيُطيعُونَهم فِي تَحرِيم الحَلالِ وَتحْلِيل الحَرَام ([1]).
والتَّشريعُ
حَقٌّ للهِ دُونَ غَيرهِ، فَهو سُبْحانَه وَتَعالى الذِي يُحرِّم وَيُحلِّل،
وَالتِزَام ذلِكَ عِبادَة لِله عز وجل، فَلا حَرامَ إلا مَا حرَّمَه اللهُ، وَلا
حَلالَ إِلا مَا أَحلَّ اللهُ، وَطاعَة المَخلُوقِين فِيما يُحلِّون ويُحَرِّمون
وَهم يَعلَمُون أنَّهُم أحَلَّوا مَا حَرم اللهُ، وَحرَّمُوا مَا أحلَّ اللهُ، فَإذا
كَانوا يَعلَمُون ذَلكَ فَهذا شِركٌ بِالله.
وَلِهذا
قَال: ﴿سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾، فَالشِّركُ بِدعاءِ المَخلُوقينَ مِن الأنْبِياء
وَغيرِهم غَالبٌ عَلى النَّصَارى، قَال تَعَالى: ﴿ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا
مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا
لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗاۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَٰنَهُۥ
عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾ [التوبة:
31].
ومِثْلُهم الصُّوفِيَّة الذِين اتَّخَذوا شُيوخَهُم وَشُيوخَ الطَّريقَةِ مُشرِّعِين لَهُم، وَمِثلُهُم القُبورِيَّة الذِين اتَّخَذوا الأوْلِياء والصَّالحِين أَربابًا وَوَسائِط وَشُفعاءَ عِندَ اللهِ، وَمِثلُهُم أصْحَاب الأهْوَاء الذِينَ اتَّخذُوا مِن أَقوالِ العُلماءِ
([1]) أخرجه: البخاري رقم (608).