وكل من استكبر عَن عبَادَة الله لاَ بُد أَن يعبد
غَيره، فَإِن الإِنْسَان حساس يَتَحَرَّك بالإرادة. وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح عَن
النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه
****
قَولُه: «وَكُلُّ من اسْتَكبرَ عَن عِبَادةِ اللهِ لاَبُدَّ أن يَعبُد غَيرَه»:
الإنْسَان أَصلُهُ عَبدٌ، فَلا بدَّ أَن يَعبُد شَيئًا يُشبِع غَريزَتَهُ، فَإمَّا
أَن يَعبُد اللهَ، وإِمَّا أنْ يَعبُد غَيرَه؛ وَلذلكَ تَجِد المُشركِين يَعبُدون
أشْيَاء تَافِهَة لا تلِيقُ بالعُقولِ؛ حَيثُ يَعبدون البَقرَ، وَيعبُدونَ
الفُروجَ، وَيعبُدون أَشياء مُنْحَطَّة، حَتَّى إنَّ بَعضَهم يَعبُد التَّمرَة
التِي مَعه وَإذا جَاع أكَلَها، فَيجعَل لَه رَبًّا مِن التَّمرِ فَإذا جَاع أَكل
رَبَّه!؛ لأنَّه يحنُّ إِلى العِبادةِ.
فَلا
يَترُك العِبَادة، وَلكِن إِنْ وُفِّقَ لِعبادَة اللهِ عز وجل وَضَع العِبادَة فِي
مَوضِعهَا وَسعدَ فِي الدُّنيَا والآخِرَة، وأمَّا إِذا عَبَد غَير اللهِ فَهوَ
مُشركٌ، قَال تَعَالى: ﴿وَمَن
يُشۡرِكۡ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخۡطَفُهُ ٱلطَّيۡرُ﴾ [الحج: 31] فَالمُوحِّد للهِ مُرتفِعٌ؛ فَإذا أشْرَك
بِالله انْحطَّ وَلا يَدري أَين يَقَع؟!، ﴿تَهۡوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٖ سَحِيقٖ﴾ [الحج: 31]، أي: بَعيد عَن الحَقِّ والصَّوابِ.
ولذَلِك
يَعبدُ المُشركون آلِهَة مُتعدِّدَة لاَ حَصر لَهَا؛ لأنَّهم عَبيدٌ وَلا بُدَّ
لَهم مِن العِبادَة، فَمَن لمْ يَعبدِ اللهَ عَبد غَيرهُ، بَل عَبد الشَّيطانَ،
فَإذا قَرأت تَاريخَ المُشركِين وأصْنَامهُم تَعجَّبْت مِن كَونِهم يَعبدُون هَذِه
الأشْيَاء وَينسَون اللهَ سبحانه وتعالى.
لَكن
كَما قَال ابْنُ القَيِّم رحمه الله:
هَرَبُوا مِنَ الرِّقِّ الذِي خُلِقُوا لَهُ **** فَبُلُوا
بِرِقِّ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ