×
شرح كتاب العبودية

قَالَ: «أَصدَقُ الأَسْمَاءِ حَارِثُ وَهَمَّامُ»، فالحارث الكاسب الفَاعِل، والهمام فعال من الهَمِّ، والهَمُّ أوَّل الإِرَادَة، فالإنسان لَهُ إِرَادَة دَائِمًا، وكل إِرَادَة فَلاَ بُد لَهَا من مُرَاد تنتهي إِلَيْهِ، فَلاَ بُد لكل عبد من مُرَاد مَحْبُوب هُوَ مُنْتَهى حبه وإرادته، فَمن لم يكن الله معبوده ومنتهى حبه وإرادته بل استكبر عَن ذَلِك فَلاَ بُد أَن يكون لَهُ مُرَاد مَحْبُوب يستعبده غير الله، فَيكون عبدًا لذَلِك المُرَاد المحبوب:

****

قَولُه: «فَإِن الإنْسَان حَسَّاس يَتَحَركُ بِالإرَادَة»: هُو يُريدُ أَن يَفعَل فَهُو لَيْس جَامِدًا، بَل خَلَقه اللهُ مُتحرِّكًا حَسَّاسًا لاَ بُدَّ أَن يَتَحرَّك بِشيءٍ؛ فَإمَّا أن يَتحرَّك بِالحقِّ، وَإمَّا أنْ يتحرَّكَ بِالباطِلِ.

 كَمَا قالَ: «أَصْدَقُ الأَسْمَاءِ حَارِث وَهَمَّام، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللهِ عَبْدُ اللهِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ»، فَالإِنسانُ إمَّا حَارث يَعمَلُ بِالفِعلِ، وإمَّا هَمَّام يَهِمُّ بالعَمَل، ويفَكِّر فِي العَمَل.

قَولُه: «فالحَارِث الكَاسِب الفَاعِلُ»: أي: الذِي يَعمَلُ.

قَولُه: «فَعالٌ مِن الهَمِّ، وَالهَم أوَّلُ الإِرادَةِ»: أي: النِّيَّة، فَينْوي أَن يَشتَغِل ثُمَّ يَشتَغِل.

قَولُه: «وكُلُّ إِرادَة فَلا بُدَّ لَها مِن مُرادٍ تَنتَهي إِليهِ»: فَالإرَادَة فِي الإِنْسان لاَ تَبْقى بِلا نِهَايةٍ، بَل لا بُدَّ أَن تَنتهي إِلى مُرادٍ تَنفُذُ فِيه إِرادَتُها.

قَولُه: «فَلا بُد لِكلِّ عَبد مِن مُرادِ مَحبُوبٍ هُو مُنتَهى حُبِّه وإرَادَته»: وذَلك إمَّا بالخَير وإمَّا بالشَّر، فالإنْسانُ بِطبيعَته عَبدٌ: إمَّا أَن يَعبُد اللهَ، أو يَعبُد الأَشجَار وَالأحْجار والأصْنامَ أو آلِهَة مُتعدِّدَة.


الشرح