فهُو
يَجري بِأمرِ اللهِ، فدلَّ عَلى أنَّه مَخلوقٌ وأنه مُسيرٌّ لاَ يصلُح للعِبَادة.
﴿فَلَمَّا رَءَا ٱلۡقَمَرَ بَازِغٗا﴾، والقَمرُ أكبَر مِن النَّجم، ﴿قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ﴾
أي: بِزعمِكم، ﴿فَلَمَّآ
أَفَلَ﴾ أي: غابَ القَمرُ، قَال: ﴿لَئِن لَّمۡ
يَهۡدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلضَّآلِّينَ﴾ [الأنعام: 77]، فَالقمرُ لا يَصلُح للعِبادة؛ لأنَّه
مُسيَّرٌ، فَأنا أطلُب مِن رَبي أنْ يَهديني إِلى الحَقِّ، وإلى المَعبود الحَق.
﴿فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي
هَٰذَآ أَكۡبَرُۖ﴾، الشَّمس
أكْبر مِن النَّجم وَأكبرُ مِن القَمر، ﴿فَلَمَّآ أَفَلَتۡ﴾
يعني: غَابَت، ﴿قَالَ
يَٰقَوۡمِ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ﴾،
حَيثُ أصبَحتِ الكَواكبُ لا تَصلُح للعِبادَة لأنَّها مُسيَّرة مُدبَّرَة،
فَتبرَّأ مِن عِبادَتِها، لأنَّ عِبادَة النُّجُومِ والكَواكِب وَغيرِهَا شِركٌ
بِالله عز وجل.
وهَذا
فِيه وُجوب البَراءَة مِن دِين المُشرِكين، وَلا نَقُول: أنْتُم عَلى دِينِكم
وَنحْن عَلى دِينِنا وَكلٌّ بِحسَب قَناعَتِه. بَل نقُول: دينُكُم بَاطلٌ؛ لأنَّه
لَم يُبنَ عَلى حقٍّ، وَلا عَلى بَراهِين، وَإذا كُنَّا نُصالحُهُم أحْيانًا وَنأخُذ
مِنهُم الجِزيَة، فَليسَ مَعنى ذَلكَ أنَّنا نُسَلِّم لَهم دِينَهم، بَل نَعتَقِد
بُطلانَه، وَنتبرَّأ مِنه، وأمَّا التَّعامل الدُّنيَوي فَهذا شَيءٌ مُباحٌ، وإن
تعَاهدنَا مَعهُم وَصالحْنَاهُم وَتعامَلنَا مَعهُم، فَإنَّنا نَبرأ مِن دِينِهم،
وَنبْرأ مِنهُم أيضًا لا نحِبُّهُم.
ولمَّا
أَبطَل عِبادَة هَذهِ الآلِهَةِ قَال: ﴿إِنِّي وَجَّهۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ
وَٱلۡأَرۡضَ حَنِيفٗاۖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾،
أي: أخْلَصتُ عَملِي وَعبادَتِي للخَالِق الذِي يُدبِّر هَذه الكَائنَات.