وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابن مَسْعُود أَن هَذِه
الآيَة لما نزلت شقّ ذَلِك على أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا:
يَا رَسُول الله أَيُّنَا لم يُلْبِس إيمَانه بظُلْم؟ فَقَالَ: «إِنَّمَا هُوَ
الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ العَبْدِ الصَّالِحِ: ﴿إِنَّ
ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ﴾ [لقمان: 13] » ([1])، وَإِبْرَاهِيم
الخَلِيل إِمَام الحنفاء المخلصين، حَيْثُ بعث وَقد طبق الأَرْض دين المُشْركين،
قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِۧمَ
رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗاۖ
قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِيۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهۡدِي ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [البقرة: 124]،
****
ولمَّا
خَوَّفه قَومه بِآلهَتِهم قَال: ﴿وَكَيۡفَ أَخَافُ مَآ أَشۡرَكۡتُمۡ وَلَا تَخَافُونَ
أَنَّكُمۡ أَشۡرَكۡتُم بِٱللَّهِ﴾
أي: كَيفَ تُهدِّدُونَني بِآلهَتِكم وَأنتم لاَ تَخَافونَ اللهَ، ﴿فَأَيُّ ٱلۡفَرِيقَيۡنِ
أَحَقُّ بِٱلۡأَمۡنِۖ﴾ [الأنعام:
81]، أنَا الذِي أعْبُد اللهَ أَم أَنتُمُ الذِين تَعبُدُون الأصْنام.
فَفصَلَ
اللهُ بَينَهم فَقالَ جل وعلا: ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم
بِظُلۡمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82]، فالأَمنُ لِلمُوحدِينَ، وَأمَّا
المُشركُون فَليسَ لَهُم أَمنٌ، لاَ فِي الدُّنيا وَلا فِي الآخِرَة.
قَولُه:
«شَّقَ ذَلك عَلى أصْحَاب النَّبيِّ صلى
الله عليه وسلم »؛ لأَنَّ اللهَ قَال: ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم
بِظُلۡمٍ﴾ [الأنعام: 82]، فَهُم
فَهِموا أنَّ الظُّلمَ هُو المَعَاصي، وَقلَّ مَن يَسلَمُ مِن المَعَاصي، فَشقَّ
ذَلكَ عَليهِم، فَبيَّن لَهُم صلى الله عليه وسلم أنَّ المُراد بِالظُّلمِ هُنا
الشُّركُ.
فَقالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا هُوَ الشِّرْك، الم تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ العَبْدِ الصَّالِحِ: ﴿إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيمٞ﴾، العَبْدُ الصالحُ هُو لُقمَان لَمَّا حذَّرَ ابْنَه مِن
([1]) أخرجه: أحمد رقم (15156)، وأبو يعلى رقم (2135).