×
شرح كتاب العبودية

واللذة أَمر يحصل عقيب إِدْرَاك الملائم الَّذِي هُوَ المحبوب أَو المشتهى. وَمن قَالَ إِن اللَّذَّة إِدْرَاك الملائم كَمَا يَقُوله من يَقُوله من المتفلسفة والأطباء، فقد غلط فِي ذَلِك غَلطًا بَينًا؛ فَإِن الإِدْرَاك يتوسط بَين المحبَّة واللذة، فَإِن الإِنْسَان مثلاً يَشْتَهِي الطَّعَام فَإِذا أكله حصل لَهُ عقيب ذَلِك اللَّذَّة، فاللذة تتبع النّظر إِلَى الشَّيْء، فَإِذا نظر إِلَيْهِ التذ، فاللذة تتبع النّظر لَيست نفس النّظر، وَلَيْسَت هِيَ رُؤْيَة الشَّيْء؛ بل تحصل عقيب رُؤْيَته، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَفِيهَا مَا تَشۡتَهِيهِ ٱلۡأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلۡأَعۡيُنُۖ [الزخرف: 71]، وَهَكَذَا جَمِيع مَا يحصل للنَّفس من اللَّذَّات، والآلام، من فَرح وحزن وَنَحْو ذَلِك يحصل بالشعور بالمحبوب، أَو الشُّعُور بالمكروه، وَلَيْسَ نفس الشُّعُور هُوَ الفَرح وَلاَ الحزن. فحلاوة الإِيمَان المتضمنة من اللَّذَّة بِهِ والفرح مَا يجده المُؤمن الوَاجِد حلاوة الإِيمَان تتبع كَمَال محبَّة العَبْد لله وَذَلِكَ بِثَلاَثَة أُمُور.

تَكْمِيل هَذِه المحبَّة، وتفريعها، وَدفع ضدها.

«فتكميلها» أَن يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا؛ فَإِن محبَّة الله وَرَسُوله لاَ يكْتَفى فِيهَا بِأَصْل الحبّ، بل لا بد أَن يكون الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا كَمَا تقدم.

و«تفريعها» أَن يحب المَرْء لاَ يُحِبهُ إِلاَّ لله.

وَ«دفع ضدها» أَن يكره ضد الإِيمَان أعظم من كَرَاهَته الإلقَاء فِي النَّار.

****

هَذا دَفعُ أَوهامٍ حَولَ حَقيقَة المَحبَّة وَحلاوَتِها تَوهَّمَها مَن لاَ يُحْتَجُّ بِقولِه.


الشرح