فَإِذا كَانَت محبَّة الرَّسُول وَالمُؤمنِينَ من
محبَّة الله، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يحب المُؤمنِينَ الَّذين
يُحِبهُمْ الله؛ لأَِنَّهُ أكمل النَّاس محبَّة لله، وأحقهم بِأَن يحب مَا يُحِبهُ
الله، وَيبغض مَا يبغضه الله، و«الخلة» لَيْسَ لغير الله فيها نصيب، بل قَالَ:
«لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ
خَلِيلاً» ([1])، علم مزِيد
مرتبَة الخلَّة على مُطلق المحبَّة.
وَ«المَقْصُود»
هُوَ أَن «الخلَّة» و«المحبة لله» تَحْقِيق عبوديته؛ وَإِنَّمَا يغلط من يغلط فِي
هَذِه من حَيْثُ يتوهمون أَن العُبُودِيَّة مُجَرّد ذل وخضوع فَقَط، لاَ محبَّة
مَعَه، أو أَن المحبَّة فِيهَا انبساط فِي الأَهْوَاء أَو إدلال لاَ تحتمله
الربوبية، وَلِهَذَا يذكر عَن «ذِي النُّون» أَنهم تكلمُوا عِنْده فِي مَسْأَلَة
المحبَّة. فَقَالَ: أَمْسكُوا عَن هَذِه المَسْأَلَة لاَ تسمعها النُّفُوس
فتدعيها. وَكره من كره من أهل المعرفَة وَالعلم مجالسة أَقوام يكثرون الكَلاَم فِي
المحبَّة بِلاَ خشيَة؛ وَقَالَ من قَالَ من السّلف:
****
هَذَا فِيه بَيانُ الفَرقِ بَينَ الخُلَّة وَمُطلقِ المَحبَّةِ فالخُلَّة أَخصُّ مِن مُطلَق المَحبَّة فَالمحَبَّة تَقبلُ الاشْترَاك، وأمَّا الخُلَّة فَلا تَقبلُ الاشْتراكَ، فَالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يحِبُّ أصْحَابه لَكنَّه لَم يتخِذْ مِنهُم خَلِيلاً لأَنَّ اللهَ اتَّخذَه خَليلاً، والخُلَّة التِي لاَ تَقبلُ الاشْتِرَاك هِي الخُلَّةُ بَينَ اللهِ وَبينَ عَبدِه.
([1]) أخرجه: مسلم رقم (2383).