من عبد الله بالحب وَحده فَهُوَ زنديق، وَمن عَبده
بالرجاء وَحده فَهُوَ مرجئ وَمن عَبده بالخوف وَحده فَهُوَ حروري، وَمن عَبده
بالحب وَالخَوْف والرجاء فَهُوَ مُؤمن موحد.
وَلِهَذَا وجد فِي
المُتَأَخِّرين من انبسط فِي دَعْوَى المحبَّة حَتَّى أخرجه ذَلِك إِلَى نوع من
الرعونة، وَالدَّعْوَى الَّتِي تنَافِي العُبُودِيَّة وَتدْخل العَبْد فِي نوع من
الربوبية الَّتِي لاَ تصلح إِلاَّ لله. ويدعي أحدهم دعاوى تتجاوز حُدُود
الأَنْبِيَاء وَالمُرْسلِينَ، أَو يطْلبون من الله مَا لاَ يصلح - بِكُل وَجه -
إِلاَّ لله، لاَ يصلح للأنبياء وَالمرسلين. وَهَذَا بَاب وَقع فِيهِ كثير من
الشُّيُوخ. وَسَببه ضعف تَحْقِيق العُبُودِيَّة الَّتِي بيّنتها الرُّسُل وحررها
الأَمر وَالنَّهْي الَّذِي جَاءُوا بِهِ، بل ضعف العقل الَّذِي بِهِ يعرف العَبْد
حَقِيقَته، وَإِذا ضعف العقل، وقل العلم بِالدّينِ وَفِي النَّفس محبَّة انبسطت
النَّفس بحمقها فِي ذَلِك، كَمَا ينبسط الإِنْسَان فِي محبَّة الإِنْسَان مَعَ
حمقه وجهله، وَيَقُول: أَنا محب فَلاَ أؤاخذ بِمَا أَفعلهُ من أَنْوَاع يكون
فِيهَا عدوان وَجَهل، فَهَذَا عين الضلال
****
أمَّا
الخُلَّة بَينَ سَائرِ النَّاسِ فَلا مَانعَ أَن يَكُون لِلإنسانِ عِدَّة
أخِلاَّء، ثُمَّ إِن المَحبَّة للهِ إِذا لَم يَكنْ مَعهَا خَوفٌ وَرجاءٌ فَليسَت
عِبادَة وَإن كَانَ مَعهَا ذُلٌّ وَخُضوعٌ.
قَولُه: «مَنْ عَبَدَ الله بِالحُبِّ وَحْدَهُ فَهْوَ زِنْدِيقٌ»؛ كَما
تَدَّعيهِ الصُّوفِيةُ، وَيقُولونَ: العِبادَة هِي المَحبَّة فَقط وَليسَ مَعهَا
خَوفٌ وَلا رَجاءٌ وَهذهِ زَندَقة وَضلالٌ.