فَفِي الإِْنْجِيلِ أن الْمَسِيح قال: «أَعْظَمُ
وَصَايَا المسيح أَن تُحِبَّ الله بِكُلِّ قَلْبك وَعَقْلِكَ وَنَفْسِكَ»،
وَالنَّصَارَى يدَّعونَ قيامَهم بِهَذِهِ الْمحبَّة، وَأَنَّ مَا هم فِيهِ من
الزُّهْد وَالْعِبَادَة هُوَ من ذَلِك، وهم بُرَآءُ من محبَّة الله؛ إِذْ لم
يتَّبعوا مَا أحبَّه، بل اتَّبعُوا مَا أَسْخَطَ الله، وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ،
فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهم.
وَاللهُ يُبْغِضُ
الْكَافرين، وَيَمْقُتُهُم، وَيَلْعَنُهُم، وَهُوَ - سُبْحَانَهُ - يُحِبُّ من
يُحِبُّهُ؛ لاَ يُمْكِنُ أَن يَكُونَ العَبْدُ مُحِبًّا لله وَالله تَعَالَى
غَيْرُ مُحِبٍّ لَهُ؛ بَلْ بِقَدْرِ محبَّةِ العَبْدِ لِرَبِّهِ يَكُونُ حُبُّ
اللهِ لَهُ؛
****
«أَنْ
تَحِبَّ الله بِكُلِّ قَلْبِكَ وَعَقْلِكَ وَنَفْسِكَ»: هذا كَلامُ المسيح
عليه السلام.
قوله:
«وَالنَّصَارَى يَدَّعُونَ قِيَامَهُمْ
بِهَذِهِ المحَبَّةِ»، فَيُظْهِرُونَ الزُّهْدَ والتَّنَسُّكَ والعِبَادَةَ،
حتَّى إنَّهم ابتدعوا الرَّهبانيَّة في تعبُّدهم، وهؤلاء الصُّوفيَّة تركوا
الأوامر، وَفَعَلُوا النَّواهي؛ لأنَّهم بِزَعْمِهِم بَلَغُوا مَرْتَبَةً تُسْقِطُ
عنهم ذلك.
قوله:
«لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ
مُحِبًّا للهِ واللهِ تَعَالَى غَيْرُ مُحِبٍّ لَهُ»: فَإِنْ كان الصُّوفيَّةُ
صادقين في محبَّتهم لله، فَلْيُبْغِضُوا الكافرين، وَلْيُعَادُوهُم؛ لأنَّ اللهَ
عَدُوٌّ للكافرين؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ
عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ﴾ [الممتحنة: 1].
فَلَوْ
كَانُوا صَادِقِينَ في محبَّتهم لله، مَا أَحَبُّوا الكفَّار وهم أعداء الله،
والله يُبْغِضُهُم، ولو كانوا صَادِقِينَ في محبَّة الله، لاتَّبَعُوا النَّبيَّ
صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: ﴿قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ
ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ