×
شرح كتاب العبودية

بل يشْهدُونَ الْمَخْلُوقَاتِ قَائِمَةً بِأَمْرِ الله مُدَبَّرَةً بمشيئته، بل مُسْتَجِيبَةً لَهُ، قَانِتَةً لَهُ، فَيَكُونُ لَهُم فِيهَا تَبْصِرَةٌ وَذِكْرَى، وَيَكُونُ مَا يَشْهَدُونَهُ مِنْ ذَلِكَ مُؤَيِّدًا وَمُمِدًّا لِمَا فِي قُلُوبِهِم مِنْ إِخْلاصِ الدِّينِ، وَتَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ لَهُ، وَالْعِبَادَةِ لَهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ.

وَهَذِه «الْحَقِيقَةُ» الَّتِي دَعَا إِلَيْهَا الْقُرْآنُ، وَقَامَ بهَا أَهْلُ تَحْقِيقِ الإِْيمَانِ، وَالكُمَّلُ مَنْ أَهْلِ الْعِرْفَانِ، وَنَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم إِمَامُ هَؤُلاَءِ وَأَكْمَلُهُم.

وَلِهَذَا لَمَّا عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَعَايَنَ مَا هُنَالِكَ مِنَ الآْيَاتِ وَأُوحِيَ إِلَيْهِ مَا أُوحِيَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُنَاجَاةِ، أَصْبَحَ فِيهِم وَهُوَ لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ، وَلاَ ظَهَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ بِخِلاَفِ مَا كَانَ يَظْهَرُ عَلَى مُوسَى مِنَ التَّغَشِّي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمْ أَجْمَعِينَ.

****

 بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» ([1]). هَذِهِ وَصِيَّةُ الرَّسول صلى الله عليه وسلم؛ فنتمسَّك بالكتاب والسُّنَّة، وما عَلَيْهِ السَّلَفُ، ولا نَنْزَلِقُ في هذه الأمور؛ فقد تَكُونُ أَوَّلَ أَمْرِهَا فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الخَيْرِ، ولكن تَنْمُو وَتَزْدَادُ بَعْدَ ذلك، وَيَطْرَأُ عَلَيْهَا ما يَطْرَأُ من الضَّلال، كَمَا حَصَلَ للمتصوِّفة والعبَّاد.

فالصُّوفيَّة فيهم ناس في الأصل طَيِّبُونَ، مِثْلَ إبراهيم بن أَدْهَم، وبشر الحافي، والفُضَيْلِ بن عياض، ولكن تَطَوَّرَ الأَمْرُ فِيمَنْ بَعْدَهُم.

قوله: «بَلْ يَشْهَدُونَ المخْلُوقَاتِ قَائِمَةً بِأَمْرِ اللهِ...»: ولا يقولون: إنَّها ليس لها وُجُودٌ، ولا مَوْجُودَ إلاَّ الله، كما تَقُولُهُ الاتِّحاديَّة.


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (4607)، والترمذي رقم (2676)، وابن ماجه رقم (42)، وأحمد رقم (17142).