×
شرح كتاب العبودية

فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِم مَنْ يُغْشَى عَلَيْهِ إِذَا سَمِعَ الْقُرْآَنَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُوتُ: كَأبي جهيرٍ الضَّرِيرِ، وَزُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَاضِي الْبَصْرَةِ.

وَكَذَلِكَ صَار فِي شُيُوخ الصُّوفِيَّةِ من يعرض لَهُ مِنَ الفَنَاءِ وَالسُّكْرِ مَا يَضْعُفُ مَعَهُ تَمْيِيزُهُ، حَتَّى يَقُولَ فِي تِلْكَ الْحَالِ مِنَ الأَْقْوَالِ مَا إِذا صَحَا عَرَفَ أَنَّهُ غَالِطٌ فِيهِ، كَمَا يُحْكَى نَحْوُ ذَلِكَ عَن مِثْلِ أبي يَزِيدَ وَأبي الْحُسَيْن النُّوريِّ وَأبي بكر الشِّبليِّ وَأَمْثَالِهِم؛ بِخِلاَفِ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ، وَمَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ، وَالفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ، بَلْ وَبِخِلاَفِ الْجُنَيْدِ وَأَمْثَالِهِم مِمَّنْ كَانَتْ عُقُولُهُمْ وَتَمْيِيزُهُم يَصْحَبُهُم فِي أَحْوَالِهِم؛ فَلاَ يَقَعُونَ فِي مِثْلِ هَذَا الفَنَاءِ وَالسُّكْرِ وَنَحْوِهِ، بَلِ الكُمَّلُ تَكُونُ قُلُوبُهم لَيْسَ فِيهَا سِوَى محبَّة الله وإرادته وعبادته، وَعِنْدَهم مِنْ سَعَةِ الْعِلْمِ والتَّمْيِيزِ مَا يَشْهدُونَ الأُْمُورَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ،

****

 قوله: «فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُغْشَى عَلَيْهِ إذَا سَمِعَ الْقُرْآنَ»: أي: في عِبَادِ البَصْرَةِ والصَّحَابَةِ؛ كَانُوا يَسْمَعُونَ القُرْآَنَ، ولا يُغْشَى عليهم، ولا يَمُوتُ منهم أَحَدٌ؛ لقوَّة إيمانهم، وقوَّة يَقِينِهِم، كانوا يَبْكُونَ، وَكَانُوا يَخْشَعُونَ، ويتأثَّرون، ولكن لم يَكُنْ يُغْشَى عليهم، أو يَمُوتُونَ.

قوله: «بِخِلاَفِ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارانيِّ، وَمَعْرُوفٍ الكَرْخِيِّ، والفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ»: مِنْ قُدَمَاءِ الصُّوفيَّة. هؤلاء مَعْرُوفُونَ بِالعِبَادَةِ والزُّهْدِ والتَّقْوَى واتِّباع الكتاب والسُّنَّة، ولكن مَنْ جَاءَ بَعْدَهُم هو الَّذي انْزَلَقَ في التَّصوُّفِ، والسَّلامَةُ في اتِّباعِ الكتاب والسُّنَّةِ.

قال صلى الله عليه وسلم: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخلَفَاءِ المهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضَّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ


الشرح