×
شرح كتاب العبودية

والْمَشَايِخ المستقِيمون إِذا قَالَ أحدُهم: مَا أرى غير الله، أَو لاَ أنظر إِلَى غير الله. وَنَحْو ذَلِك، فمرادهم بذلك مَا أرى رَبًّا غَيره، وَلاَ خَالِقًا غيره، وَلاَ مُدبرًا غَيره، وَلاَ إِلَهًا غَيره، وَلاَ أنظر إِلَى غَيرِه محبَّة لَهُ أَو خوفًا مِنْهُ أَو رَجَاءً لَهُ؛ فَإِن الْعينَ تنظر إِلَى مَا يتَعَلَّق بِهِ الْقلب، فَمَن أحبَّ شَيْئًا أَو رجَاه أَو خَافه الْتفتَ إِلَيْهِ، وَإِذا لم يكن فِي الْقلبِ محبَّة لَهُ وَلاَ رَجَاء لَهُ وَلاَ خوف مِنْهُ وَلاَ بغض لَهُ وَلاَ غير ذَلِك من تعلق الْقلب لَهُ لم يقْصد الْقلب أَن يلْتَفت إِلَيْهِ وَلاَ أَن ينظر إِلَيْهِ وَلاَ أَن يرَاهُ وَإِن رَآهُ اتِّفَاقًا رُؤْيَة مُجَرّدَة كَانَ كمن لَو رأى حَائِطًا وَنَحْوه مِمَّا لَيْسَ فِي قلبه تعلق بِهِ.

****

فينبغي لطالب العِلم أن يعرِف هذه الأمُور؛ لأنَّهم يروِّجونها على الناس، فالذي ليس عنده بصيرةٌ ربَّما يعتقد صحَّتها، ولا سيِّما وأنَّها تصدر من أُناس عبَّاد ويتمسَّحون بالعِلم؛ فيَغتر بهم الجَاهل.

قوله: «فَهَذَا فَنَاءُ أَهْلِ الضَّلاَلِ وَالإْلحادِ»: وهو أشدَّ أنواع الضَّلال، ولم يقلْ بهذا أحدٌ غيرهم.

قوله: «الْوَاقِعِينَ فِي الحلُولِ وَالاِتِّحَادِ»: الحُلول أن يعتقدَ أن اللهَ حالٌّ في كل شيءٍ، أي حالٌّ في كلِّ المخلوقَات؛ والاتحاد: هو أنَّ اللهَ متَّحِدٌ في كلِّ شيءٍ.

فمقصود المصنف بالمشايخ،المشايخ المستقيمون من أهل التَّصوف، الذين عندهم استقامة وعبادة.

إذا قال أحدُ المشايخ المستقيمين: «لا أَرى إِلاَّ الله». ليس معناه أنه ليس في الكون إلا الله، ولا موجود إلا الله -كما تقوله الاتحادية-؛


الشرح