والمشَايخ الصَّالحون يذكرُونَ شَيْئًا من
تَجْرِيد التَّوْحِيد، وَتَحْقِيق إخلاص الدَّين كُله، بِحَيْثُ لاَ يكون العَبْد
ملتفتًا إِلَى غير الله، وَلاَ نَاظرًا إِلَى مَا سواهُ؛ لاَ حبًّا لَهُ، وَلاَ
خوفًا مِنْهُ، وَلاَ رَجَاء لَهُ؛ بل يكون الْقلب فَارغًا من الْمَخْلُوقَات،
خَالِيًا مِنْهَا، لاَ ينظر إِلَيْهَا إِلاَّ بِنور الله، فبالحقِّ يسمَع،
وبالحقِّ يُبصر، وبالحقِّ يبطِش، وبالحقِّ يمْشي؛ فيحب مِنْهَا مَا يُحِبهُ الله،
وَيبغض مِنْهَا مَا يبغضُه الله، ويوالي مِنْهَا مَا وَالاَهُ الله، ويعادي
مِنْهَا مَا عَادَاهُ الله، وَيخَاف الله فِيهَا وَلاَ يخافها فِي الله، ويرجو
الله فِيهَا وَلاَ يرجوها فِي الله،
****
وإنَّما معناه أنه لا يُعبد إلاَّ الله، ويُتبرأ
مما سواه، فهو الحق سبحانه؛ فيُفسر كلامه بالتفسير الصحيح، ولا يُفسَّر بقول أهل
وحدة الوجود.
فمعنى
«لا أرى غير الله» أي: لا أرى
مدبِّرًا غير الله، ولا إلهًا غير الله، ولا مالكًا غير الله... وهذا المعنى
صحيحٌ.
المشايخ
الصَّالحون إذا قال أحدهم: «أنا لا أرى
إلا الله». فمعناه أنه لا يرى خالقًا ولا معبودًا حقًّا ولا محبوبًا حقًّا إلا
الله سبحانه وتعالى، فليس معنى «لا أرى
إلا الله» أن المخلوقات كلها هي عين وجود الله جل وعلا.
قوله:
«فَبِالحقِّ يَسْمَعُ، وَبِالحقِّ
يُبْصِرُ، وَبِالحقِّ يَبْطِشُ، وَبِالحقِّ يَمْشِي...»: كما قال جل وعلا في
الحديث القدسي: «فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ
كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ،
وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا،