وَهَذَا كَثِيرٌ يَعْرِضُ لِمَنْ دَهَمَهُ أَمْرٌ
من الأُْمُور؛ إِمَّا حُبٌّ، وَإِمَّا خَوْفٌ، وَإِمَّا رَجَاءٌ؛ يَبْقَى قَلْبُهُ
مُنْصَرِفًا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ عَمَّا قَدْ أَحَبَّهُ أََوْ خَافَهُ أَوْ
طَلَبَهُ؛ بِحَيْثُ يَكُونُ عِنْدَ اسْتِغْرَاقِهِ فِي ذَلِك لاَ يَشْعُرُ
بِغَيْرِهِ.
فَإِذا قَوِيَ
عَلَى صَاحِبِ الفَنَاءِ هَذَا، فَإِنَّهُ يَغِيبُ بِمَوْجُودِه عَنْ وُجُودِهِ،
وَبِمَشْهُودِهِ عَنْ شُهُودِهِ، وَبِمَذْكُورِهِ عَنْ ذِكْرِهِ، وَبِمَعْرُوفِهِ
عَنْ مَعْرِفَتِهِ، حَتَّى يَفْنَى من لم يَكُنْ؛ وَهِيَ الْمَخْلُوقَاتُ
المعبَّدة ممَّن سواهُ، وَيبقى مَنْ لَمْ يَزُلْ وَهُوَ الرَّبُّ تَعَالَى.
وَالْمرَادُ
فَنَاؤُهَا فِي شُهُودِ العَبْدِ وَذِكْرِهِ، وَفَنَاؤُهُ عَنْ أَنْ يُدْرِكهَا،
أَو يَشْهَدَهَا. وَإِذا قَوِيَ هَذَا، ضَعُفَ الْمُحِبُّ حَتَّى اضْطَرَبَ فِي
تَمْيِيزِهِ؛ فقد يظنُّ أَنَّه هُوَ محبوبه، كَمَا يذكر: أَنَّ رجلاً ألْقَى
نَفسَهُ فِي اليَمِّ، فَألْقى محبّه نَفْسَهُ خَلْفَهُ، فَقَالَ: أَنَا وَقَعْتُ،
فَمَا أوقعك خَلْفي؟ قَالَ: غِبْتُ بِكَ عَنِّي، فَظَنَنْتُ أَنَّك أَنِّي.
****
هذا ما يُسَمَّى فَنَاءُ السِّوَى؛ لا يَهْتَمُّ
إلاَّ بما يَرْجُو، أو يَخَافُ.
*
إذا غَلَبَ عَلَيْهِ الفَنَاءُ فَغَابَ بِمَوْجُودِهِ عَنْ وُجُودِهِ، وقال: أنا
لَسْتُ مَوْجُودًا، ولا أَحَدَ مَوْجُودٌ إلاَّ الله جل وعلا فَهَذَا ضَلالٌ؛
فَهُنَاكَ مَوْجُودَاتٌ وَأَشْيَاءُ، ولكن مِنْ فَرْطِ تعلُّقهم بالله؛ كأن لا
يوجد في الكون إلاَّ الله عز وجل.
فَيَتْرُكُ
العِبَادَةَ، ويتعلَّق بالله بِزَعْمِهِ، ويزعم أنَّه لا فائدة من العبادة؛ لأنَّ
المَقْصُودَ مِنْهَا حَصَلَ؛ وهو معرفة الله، والوُصُولُ إليه،