×
شرح كتاب العبودية

وَ«هَذَا الْموضِع» زَلَّ فِيهِ أَقْوَامٌ وظنُّوا أَنَّه اتِّحَادٌ، وَأَنَّ الْمُحِبَّ يتَّحد بالمحبوب حَتَّى لاَ يكون بَينهمَا فَرْقٌ فِي نفس وجودهما، وَهَذَا غَلَطٌ؛ فَإِنَّ الْخَالِقَ لاَ يتَّحد بِهِ شَيْءٌ أَصْلاً، بَلْ لاَ يَتَّحِدُ شَيْءٌ بِشَيْءٍ إِلاَّ إِذا اسْتَحَالا وَفَسَدَا وَحَصَلَ من اتِّحادهما أَمْرٌ ثَالِثٌ لاَ هُوَ هَذَا وَلاَ هَذَا، وَكَمَا إذا اتَّحَدَ المَاءُ واللَّبَنُ، والمَاءُ والخَمْرُ، وَنَحْوُ ذلك.

وَلَكِنْ يَتَّحِدُ المُرَادُ وَالمَحْبُوبُ وَالْمَكْرُوهُ ويتَّفقان فِي نَوْعِ الإِْرَادَةِ وَالْكَرَاهَةِ؛ فَيُحِبُّ هَذَا مَا يُحِبُّ هَذَا، وَيُبْغِضُ هَذَا مَا يُبْغِضُ هَذَا، وَيَرْضَى مَا يَرْضَى، وَيَسْخَطُ مَا يَسْخَطُ، وَيَكْرَهُ مَا يَكْرَهُ، وَيُوَالِي مَنْ يُوَالِي، وَيُعَادِي مَنْ يُعَادِي. وَهَذَا الفَنَاءُ كُلُّهُ فِيهِ نَقْصٌ.

****

 وإذا وَصَلَ إلى هذه الغَايَةِ، اكْتَفَى بذلك، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ البِدَعُ لا تأتي بالشَّرِّ مهما كان، وَمَآَلُهَا إلى الشَّرِّ.

قوله: «فَنَاؤُهَا فِي شُهُودِ الْعَبْدِ وَذِكْرِهِ»: كأنَّه لا يراها، ولا يَذْكُرُهَا أبدًا.

قوله: «قَالَ: غِبْتُ بِكَ عَنِّي، فَظَنَنْتُ أَنَّكَ أَني»: لمَّا سَقَطَ مَحْبُوبُهُ في البَحْرِ، أَسْقَطَ نَفْسَهُ معه، ولمَّا سأله السَّاقط: «أَنَا وَقَعْتُ فَمَا أَوْقَعَكَ خَلْفِي؟»: قال له: ظَنَنْتُكَ أنا.

 قوله: «هَذَا الموْضِعُ» زَلَّ فِيهِ أَقْوَامٌ»: أي: هَلَكَتْ بِسَبَبِهِ أَقْوَامٌ، وهو في بدايته قد يكون مقبولاً إلى حَدٍّ ما، ولكن في نِهَايَتِهِ يَصِيرُ ضَلالاً.


الشرح