قوله: «بَلْ لاَ يَتَّحِدُ بِشَيْءِ إلاَّ إذَا
اسْتَحَالاَ وَفَسَدَا وَحَصَلَ مِنْ اتِّحَادِهِمَا أَمْرٌ ثَالِثٌ لاَ هُوَ
هَذَا وَلاَ هَذَا»: المَوْجُودَانِ لا يُمْكِنُ أن يتَّحِدَا وأن يكونا شيئًا
واحدًا أبدًا، وَمَا داما قائمين بأنفسهما؛ فلا يُمْكِنُ أن يَنْدَمِجَا
وَيَصِيرَا شَيْئًا واحِدًا كما تَقُولُهُ الصُّوفيَّة: «فَظَنَنْتُ أَنَّك أَنِّي».
قوله:
«كَمَا إذَا اتَّحَدَ الماءُ وَاللَّبَنُ،
وَالماءُ وَالخمْرُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ»: يَعْنِي إذا اخْتَلَطَا، فلا يُمْسِي
الخَلِيطُ لا مَاءً ولا خَمْرًا.
قوله:
«وَلَكِنْ يَتَّحِدُ المرَادُ
وَالمحْبُوبُ»: يَعْنِي أنَّ اتِّحَادَ الذَّوَاتِ لا يُمْكِنُ أَبَدًا، إلاَّ
إذا فَنِيَتْ هَذِهِ الذَّاتُ، وَزَالَ تَرْكِيبُهَا، وَخُلِطَتْ مَعَ مَادَّةٍ
أُخْرَى، وَتَكَوَّنَ مِنْهُمَا شَيْءٌ ثالث، وأمَّا اتِّحاد الصِّفات في الذَّات
كالمحبَّة والكراهة، فَيُمْكِنُ؛ حيث إنَّك لا تُحِبُّ إلاَّ ما يُحِبُّ
حَبِيبُكَ، ولا تَكْرَهُ إلاَّ ما يَكْرَهُ حَبِيبُكَ، وقد يَكُونُ حَقًّا، وقد
يَكُونُ بَاطِلاً.
لم
يُعْرَفْ هَذَا الفَنَاءُ عِنْدَ السَّلَفِ، وإنَّمَا عُرِفَ عِنْدَ من بَعْدَهُم
من الصُّوفيَّة، وهو مِنْ مصطلحاتهم، وَمَنْ أَرَادَ أن يطَّلع على شَيْءٍ من هذا،
فَلْيُطَالِعْ «مَدَارِجَ السَّالكين
شَرْحَ منازل السَّائرين» لابن القَيِّم، والمَتْنَ لأبي إسماعيل الهرويِّ،
وقد أراد ابْنُ القَيِّمِ أَنْ يُخَلِّصَ هذا الكتاب مِنَ الزَّلاَّت والأخطاء
الَّتي وقع فيها المؤلِّف، ولكنَّه أحيانًا يَعْجَزُ عن تَخْلِيصِهِ.