×
شرح كتاب العبودية

وَبِهَا أَرْسَلَ جَمِيعَ الرُّسُلِ كَمَا قَاَل نُوحٌ لِقَوْمِهِ: ﴿ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ [الأعراف: 59]، وَكَذَلِكَ قَالَ هُودٌ وَصَالِحٌ وَشُعَيْبٌ وَغَيْرُهُمْ لِقَوْمِهِمْ.

****

قوله: «وَبِهَا أَرْسَلَ جَمِيعَ الرُّسُلِ»: أي: أرسلَ جميعَ الرُّسُلِ يأمرون بعِبادةِ الله، ولمَّا كان الناسُ لا يَعرفون أو لا يَعلمُون العبادةَ التي تُرضِي اللهَ سبحانه وتعالى، فإنَّه سبحانه لم يَكِلْهم إلى اجتهادِهِم، ولا إلى ظَنِّهم، وإنَّما أرسَلَ الرُّسلَ يُبيِّنون لهم كيفَ يعبدون اللهَ سبحانه وتعالى، وأنزلَ الكُتبَ أيضًا لبيانِ عبادةِ اللهِ جل وعلا.

فقد أرسلَ اللهُ بالعبادةِ جميعَ الرُّسل، وممَّا يدُلُّ على هذا آياتٌ كثيرةٌ في القرآنِ الكريمِ، منها ما هو خاصٌّ بأنبياءِ بأسمائِهم، ومنها ما هو عامٌّ لجميعِ الأنبياء. وذلك أنَّ نوحًا عليه السلام وهو أولُ الرُّسلِ قال لقومِه: ﴿ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ فقولُه: ﴿ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ فيه أمْر، وقوله: ﴿مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ [الأعراف: 59] فيه نهيٌ عن عبادةِ غيرِ اللهِ سبحانه وتعالى، فهذا نوحٌ عليه السلام أولُ الرُّسُلِ، أمَرَ قومَه بعبادةِ اللهِ وترْكِ عبادةِ ما سِواه.

وكذلك هود عليه السلام قال لقومِه: ﴿ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ، وكذلك صالحٌ عليه السلام قال لقومِه: ﴿ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ، وكذلك شعيبٌ عليه السلام قالَ لقومِه: ﴿ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ [الأعراف: 59]، فاتَّفَقتْ كلِمَتُهم على هذه الجُملة، أنهم قالوا لقومِهم: ﴿ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ [الأعراف: 59]، وهذا دليلٌ على أنَّ العِبادةَ عامةٌ لجميعِ الأُمَم، وأنَّ الرُّسُلَ أَمَرُوا بها أُمَمَهم، وأنَّ الرُّسُلَ جميعَهم نَهَوا عن الشِّركِ؛ لأنَّ العبادةَ لا تصِحُّ ولا تُقبَلُ مع الشِّرك.


الشرح