×
التعليق المختصر على القصيدة النونية الجزء الثالث

 أم تريدونَ بِالتَّجْسِيمِ أجْسَامَ المَخْلُوقين؟ فهذا مَنْفِيٌّ عن اللهِ تعالى، فالله تعالى يقول: ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ [الشورى: 11] فالتجسيم لفظٌ مُحْدَث لا يُثبَت ولا يُنفَى، ولكن يستفصل فيه، فإن كان المعنى صحيحًا قيل به، وإن كان باطلاً رُدَّ، أم تريدونَ بالتَّجْسِيم ما وصف اللهُ به نفْسَهُ مِن العُلوِّ والاستواءِ والنُّزُول والسَّمْعِ والبَصر والحياة إلى غير ذلك مِنَ الصِّفَات؟ فهذا حقٌّ ولكن لا نُسمِّيه تَجْسِيمًا، أم تريدونَ بالجِسْمِ ما تركَّبَ مِنَ الأجزاءِ، كالجدارِ يتركَّبُ مِن اللَّبِنات والطِّين، والباب يتركَّب من الخشبِ والمساميرِ؟ أم تريدونَ بالتَّجسيمِ ما يُريدُه عُلماءُ المنْطِق أو عُلماء الفلسفةِ؛ حيثُ إنَّ التَّجْسِيمَ عندهم ما رُكِّبَ من الهَيُولَى والصُّورَة، فأيُّ المعاني تُريدونَ؟ فالمعنى الأوَّلُ صحيحٌ، وهو أنَّ الجِسمَ ما تقوم به الصِّفاتُ فهذا معنًى صحيحٌ، وأمَّا المعنى الثَّانِي والثَّالِثُ فهما باطلانِ، فالمُهِمُّ أنَّ الجِسْمَ لهُ معانٍ كثيرةٌ؛ فحَدِّدُوا مُرادَكُم بذلك، واترُكُوا الإجمالَ، فإنَّه لا يُقْبَل؛ لأنَّهُ مِن التَّلْبِيس، فإذا بيَّنتُم ماذا تريدُون بِالتَّجسيمِ مِن هذه المعاني، فحينئذٍ هاتُوا أدِلَّةً على أنَّ إثباتَ الأسماءِ والصِّفاتِ يقتضي التَّجْسِيمَ، وأنَّى لكم ذلك؟ 


الشرح