×
التعليق المختصر على القصيدة النونية الجزء الثالث

مَنْ عَارَضَ المَنْصُوصَ بِالمَعْقُولِ قِدْ  ****  مًا أَخْبِرُونَا يَا أُوْلِي العِرفَانِ

أوَ مَا عَرَفْتُمْ أنَّهُ القَدَرِيُّ والْـ  ****  ـجَبْرِيُّ أَيْضًا ذَاكَ فِي القُرْآنِ

إذْ قَالَ قَدْ أغوَيْتَنِي وفَتَنْتَنِي  ****  لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ مَدَى الأَزْمَانِ

فَاحْتَجَّ بِالمَقْدُورِ ثُمَّ أَبَانَ أنْ  ****  نَ الفِعْلَ مِنهُ بِغَيَّةٍ وَزِيَانِ

****

 مَن عارضَ المَنصوصَ - وهو الكتابُ والسُّنَّةِ - بالمعقولِ؟ هل عارضَهُ الصحابةُ أو التَّابِعون أو أهلُ القُرونِ المُفضَّلَة؟ حاشا وَكَلاَّ، إنَّما عَارَضَهُ الخَلَفُ المتأخِّرُونَ، الذين دَبَّ إليهم عِلمُ الجدلِ والكلام مِن قِبَلِ الفَلاسِفَةِ وأهلِ الكلامِ، فحصَلَت عندَهم المعارضةُ بِزَعْمِهم بين المَنقول والمعقول. والنقلُ الصحيحُ لا يخالفُ العقلَ الصريحَ أبدًا. فالشرع لا يأتي بما تُحيلُهُ العقولُ، لكن يأتي بما تَحارُ فيه العقول؛ لأنَّ العقولَ لا تُدرِكُ كلَّ شيْءٍ بل تتوقَّف وتُسلِّمُ أمرَها للهِ تعالى.

الذي عارضَ النَّقلَ بالعقلِ هو الشَّيطانُ، عارضَ أمْرَ اللهِ تعالى بالقدرِ وأنَّ إغواءَهُ بقدرِ الله،﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغۡوَيۡتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ [الحجر: 39] فاحتجَّ بالقدرِ على اللهِ، ولم يَلُمْ نفسَه، ويقول: أنا الذي عَصَيْتُ، وفرَّطتُ، بل أضاف هذا إلى الله، وبرّأ نفسَهُ من ذلك، وقال: ﴿لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمۡ [الحجر: 39] فصارَ في الأولِ جَبْري وفي الثاني قدري، فالتزيينُ نَسَبَهُ إلى نفسِهِ، ولم يَنسِبْهُ إلى قدَرِ الله عز وجل، وهذا قول القدريَّةِ في أنَّ العبدَ يخلق فِعْلَ نفسِه، وهذا شأن أهل الضلال دائمًا يتناقضُونَ.


الشرح