رَكِبُوا العَزَائِمَ وَاعْتَلَوْا بِظُهُورِهَا **** وَسَرَوْا فَمَا حَنُّوا إِلَى نُعْمَانِ
سَارُوا
رُوَيْدًا ثُمَّ جَاءُوا أوَّلاً **** سَيْرَ الدَّلِيلِ يَؤُمُّ بِالرُّكْبَانِ
****
رَكِبُوا العزائِمَ، وهي جمعُ عزيمة وهي القصدُ
والجِدُّ، فجعلُوها مراكبَهُم، يَسِيرونَ بها إلى اللهِ سبحانه وتعالى، وما حنُّوا
إلى نُعمان: وهو اسْمُ موضعٍ ومكان، والمعنى: أنَّهُ ليس همُّهُم الدِّيار
والأماكِن والمواضِع يَحِنُّونَ إليها كما يَحِنُّ الشُعراءُ، ويتغَنَّوْنَ
بالمواضعِ والآثارِ والدِّيارِ كما قال الشاعر:
كَمْ منْزِلٍ في الأرضِ يَأْلَفُهُ الفَتَى **** وحَنِينُهُ
أبَدًا لأوَّلِ منزلٍ
فهؤلاءِ
لا يَحِنُّونَ إلى المنازلِ وإلى الأطلالِ، وإنَّما يحِنُّونَ إلى اللهِ جل وعلا.
هذِهِ
صِفَةُ السَّيْرِ إلى اللهِ تعالى والتي حَثَّ عليها النَّبِيُّ صلى الله عليه
وسلم السَّيْرُ رُويدًا، فالرَّسولُ حَثَّ على الاقتصادِ في العبادَةِ مَع
المُداوَمَةِ، فَصِفَةُ السَّيْرِ إِلَى اللهِ تعالى الوَسَط مِنْ غيْرِ تشْدِيدٍ
وَمِن غيْرِ تساهُلٍ، فالمُنْبَتُّ لاَ أرْضًا قطَعَ ولا ظَهْرًا أبْقَى، وهذا
السَّيْرُ المتوسِّطُ يكْسِبُ قطْعَ الطَّرِيقِ والرَّاحة أيْضًا، فهذا هُو
المُقتَصِد والمتوسِّطُ فيكْسِبُ الأمرَيْنِ: قطْعَ الطَّرِيق والرَّاحة وعدَم
المشقَّة، وكما قال الشاعر:
يَا عَجَبًا مِنْ سَيْرِكَ المُدَلَّلِ **** تَمْشِي
رُوَيْدًا وَتَجِي فِي الأَوَّلِ
فهذا
هو المُتوسِّطُ، وهذا البيتُ الذي ذكرهُ الشيخُ مقْتَبَسٌ مِن بيْتِ هذا الشاعر،
وابن القيِّمِ رحمه الله أديبٌ عندَهُ إلمامٌ بأقوال الشُعراءِ فهو يقتَبِسُ منها.
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد