وَنَبَذْتُمُ عَسَلَ النُّصُوصِ وَرَاءَكُمْ **** وَقَنَعْتُمُ بِقَطَارَةِ الأَذْهَانِ
وَتَرَكْتُمُ
الوَحْيَينِ زُهْدًا فِيهِمَا **** وَرَغِبْتُمُ فِي رَأي كُلِّ فُلاَنِ
وَعَزَلْتُمُ
النَّصَّينِ عَمَّا وُلِّيَا **** لِلحُكْمِ فِيهِ عَزْلَ ذِي عُدْوَانِ
وَزَعَمْتُمُ
أَنْ لَيْسَ يَحْكُمُ بَيْنَنَا **** إِلا العُقُولُ وَمَنْطِقُ اليُونَانِ
فَهُنَا
بِحُكْمِ الحَقِّ أَوْلَى مِنْهُمَا **** سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ ذَا السُّبْحَانِ
****
هَذا أيضًا مِن المَلامَةِ عَلى هَؤلاءِ الذِينَ
تَعوَّضُوا عَن الوَحيَينِ بِآراءِ الرِّجالِ، كَمُقلِّدَة المَذاهِب الذِينَ لا
يُميِّزُونَ بَين مَا خَالفَ الكِتابَ والسُّنَّة وَبَين مَا وَافقَ الكِتابَ
والسُّنَّة.
الذِينَ
يُقدِّمُون العُقولَ عَلى النُّصوصِ هُم عُلمَاءُ المَنطِق وَأهْلِ الكَلامِ ومَن
اقْتَدى بِهم؛ حَيثُ يَقُولون: إِنَّ أدِلَّةَ السَّمع دِلالَتُها ظَنِّيَّة،
وَأمَّا دِلالةُ العُقولِ فَهِي يَقينِيَّة.
وَكَذبُوا
فِي هَذا؛ بَل الصَّوابُ أنَّ نُصوصَ الكِتابِ والسُّنَّة هِي اليَقينِيَّة؛
وَذَلك لأنَّها كَلامُ اللهِ وَرَسولهِ، وَدِلالَة العُقولِ هِي الظَّنِّيَّة: ﴿إِن
يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ﴾ [الأنعام: 116].
هَذا
تَنزيهٌ للهِ سبحانه وتعالى؛ لأنَّه يَلزمُ مِنهُ النَّقصُ فِي حَقِّ اللهِ
تَعَالى، إذَا قِيل: إِنَّ كَلامَه لا يُفيدُ إلا الظَّنَّ، وَأنَّ قَواعِد
المَنطِق هِي المَعصُومَة؛ فَهَذا تَنقُّصٌ للهِ تَعَالى، وَلِهذا سَبَّح اللهَ
مِن هَذا التَّنقُّصِ.
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد