وَيَقرُب مِنهُ قَولُ الأَشاعِرَة
والكُلاَبِيَّة: إِنَّ القُرآنَ لَيسَ بِمخْلُوقٍ مَعنَاه، وأمَّا لَفْظُه فَهُو
مَخلُوقٌ، فَكَلامُ اللهِ عِنْدَهُم هُو المَعنَى القَائِم بِالنَّفسِ الإِلَهيَّة
وَلَم يَتَكلَّم بِهِ تَعَالى بِحرفٍ وَصوتٍ، وَلَكنَّ جِبرِيل حَكَى عَمَّا في
نَفسِ اللهِ، أو أنَّ مُحمَّدًا هُو الذِي عَبَّر عَمَّا فِي نَفسِ اللهِ تَعَالى،
فَهُو إِمَّا كَلامُ الرَّسُولِ المَلَكِي أوِ الرَّسُول البَشَرِي.
والكَلامُ
النَّفسِيُّ اخْترعُوه مِن عِندِ أنْفُسهِم، فَليسَ فِي لُغَة العَربِ أنَّ مَا
فِي النَّفسِ يُسمَّى كَلامًا، فَلا يُسمَّى كلامًا حتَّى يَنطِق وَيتكلَّم بِه،
فَلم يَقُل أحَدٌ هَذه المَقالَة لا مِن أهْلِ اللُّغَة وَلا مِن عُلمَاء الكلاَمِ
وَغَيرِهم، وَيحكُون بَيتًا لِلأخطَلِ وهُو شَاعرٌ نَصرَاني فِي وَقتِ بَني
أمَيَّة قَال فيهِ:
إِنَّ الكَلاَمَ لَفِي الفُؤَادِ وَإِنَّمَا **** جُعِلَ
اللِّسَانُ عَلَى الفُؤَادِ دَلِيلاً
قَالُوا:
فَهَذا دَليلٌ عَلى أنَّ مَا فِي النَّفسِ يُسمَّى كَلامًا. والرَّدُّ عَليهِ
مِن وَجهَين:
الأوَّلُ:
أنَّ هَذا البَيتَ مَكذوبٌ عَلى الأخطَلِ لَم يُوجدْ فِي دِيوانِه وَلا فِي
شِعْرِهِ.
الثَّاني:
لَو صَحَّ عَن الأخْطَل أنَّه قَال هَذا فَهُوَ نَصرَانِيٌّ، والنَّصارَى يَقولُون
في اللهِ تعَالَى أعْظَم مِن هَذا، يَقولُون: إِنَّ اللاهُوتَ قَد اتَّحَد فِي
النَّاسُوت فتَكوَّن عِيسَى بَينَهُما، فَهُم فِي الحَقيقَةِ شَابَهوا النَّصَارى
فِيما قَالُوه فِي المَسيحِ؛ حَيثُ يَقُولون: القُرآنُ بَعضُه إِلَهي بَشرِي
والعِيَاذ باللهِ.
ولِذلِكَ
لاَ يُقيمُون وَزنًا لِلمصَاحِف؛ لأنَّهُم يَقُولونَ: الذِي فِيهَا لَيسَ كَلامَ
اللهِ، فَكلامُ اللهِ مَا في نَفْسه، والقُرآنُ الذِي فِي المَصَاحف مَخلوقٌ