×
التعليق المختصر على القصيدة النونية الجزء الثالث

وَاللهُ أَكْبَرُ مَنْ عَلَى العَرْشِ استوى  ****  لَكِنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى الأَكْوَانِ

وَاللهُ أَكْبَرُ ذُو المَعَارِجِ مَنْ إِلَيـ  ****  ـهِ تَعْرُجُ الأَمْلاَكُ كُلَّ أَوَانِ

****

 فَالمَعْنى واللَّفظُ لَيسَا مَخلوقَينِ وَمِدادُنا وَهُو الحِبرُ الذِي نكْتُب بِه القُرآنَ، والرَّق وَهُو القِرْطاسُ الذِي نَكتُب عَليهِ؛ كِلاهُما مخْلُوقٌ، وأمَّا الكَلامُ المَكتُوب فَهُو كَلامُ اللهِ غَير مَخلُوقٍ.

انتَقلَ مِن مَسألَةِ الكَلامِ إِلى مَسألَةِ الاسْتِواءِ؛ لأنَّ الأَشاعِرَة أيْضًا يَنفُون الاسْتوَاء عَلى العَرشِ، ويَقولُون: مَعنَى اسْتَوى: اسْتَولى، فَيزيدُون اللامَ عَلى كَلامِ اللهِ؛ وَمَعنى اسْتَوى عَلى العَرشِ عِندَ أهْلِ السُّنَّة عَلا وارْتَفع، وَهَذا مُقتَضى اللُّغَة العَربِيَّة، ولَو كَان الاسْتِواء بِمَعنى الاسْتيلاءَ لَلزِمَ أنْ يكُون العَرشُ قَبلَ اسْتيلاَءِ اللهِ عَليهِ بِولايَة غَيرِه، كَما تَقُول: اسْتَولَى المَلكُ عَلى المَكَان الفُلاني، ألا يَدلُّ ذَلك عَلَى أنَّه قَبلَ الاسْتِيلاء كَان فِي مُلكِ غَيرِه، هَذا هُو مُقتَضى هذَا اللَّفظِ.

ثمَّ لَو كَان الاسْتوَاء بِمعْنَى الاسْتيلاءِ لَم يَكُن هنَاكَ فَرقٌ بَين العَرشِ وغَيرِه؛ لأنَّ اللهَ مستولٍ عَلى كُلِّ الكَون، والاسْتواءُ صِفةٌ فَعليَّةٌ، ولِذلكَ رَتَّب عَلى خَلق السَّموات بـ«ثُم»، قالَ تعَالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ [الأعراف: 54].

العُلو: صفَةٌ ذِاتيَّة للهِ تَعَالى لا تَنفك عَنه، والمَعارِج: المَصَاعد ﴿تَعۡرُجُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ [المعارج: 4]؛ أي: تصْعَد إِليهِ، فَالعُروج لا يَكُون إِلاَّ إِلى أَعلَى، والعُلو ثَبتَ بالدَّليلِ السَّمعِي والعَقلِي والفِطرِي بِخلافِ الاسْتواءِ فَبالدَّليلِ السَّمعِي.


الشرح