×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الأول

 وقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: «فِي النَّارِ»، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» ([1]).

فالذين يطنطنون بالقرابة ويدعون أنهم من بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعتمدون عليها، ولا يعملون الأعمال الصالحة، ولا يتركون الشرك، هؤلاء مغرورون في هذا الشيء، والاعتماد على مجرد القرابة لا ينفع، بل لا بد معها من العمل الصالح حتى ينفع الله بها.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «اسْتَأْذَنْت رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لأُِمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْته فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي». هذا الحديث فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم استأذن ربه أن يزور أمه، وفيه دليل على أن الإنسان لا يفعل شيئًا من أمور الدين إلا بدليل، فهذا رسول الله لم يزر أمه حتى استأذن ربه، فلا يقدم الإنسان على عبادة إلا بعد أن يأذن الله جل وعلا بها بتشريعه، ووحيه، وإنزاله، فيرجع في العبادات إلى الكتاب والسنة، فهذا فيه دليل على أن زيارة قبر الكافر جائزة إذا كانت لأجل الاعتبار والاتعاظ، أما إذا كانت لأجل الدعاء له، فلا تجوز؛ لأن الكافر لا يدعى له، ولا يستغفر له، ولو كان أقرب الناس، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأذن الله له أن يستغفر لأمه التي هي أقرب الناس إليه، وعند ذلك بكى صلى الله عليه وسلم بكاءً شديدًا، وهذا يدل على شفقته صلى الله عليه وسلم، ورحمته، وبره، وإحسانه، لكن الله منعه من أن يستغفر لأمه؛ لأنها مشركة، كما منع إبراهيم عليه السلام أن يستغفر لأبيه؛ لأنه مشرك.

فالمشرك لا يُستغفر له، وإن كان من أقرب الناس إلى المسلم؛ لأن القرابة لا تنفع مع عدم الإيمان والعمل الصالح.


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (203).