×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الأول

وفي هذا ردٌّ على الذين يفعلون في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وينزلونه منزلة الرب، وأنه يملك الأشياء، وأن المخلوقات ما خلقت إلا من أجله، وأن الدنيا وضرتها وهي الآخرة من جوده صلى الله عليه وسلم؛ كما يقول صاحب البردة:

فإن من جودك الدنيا وضرتها
 

ومن علومك علم اللوح والقلم
  

فإن من جودك الدنيا وضرتها = ومن علومك علم اللوح والقلم

فجعل الرسول يملك الدنيا والآخرة، إذًا: ما بقي لله شيء، صارت الدنيا والآخرة ملكًا لمحمد، وأيضًا: يعلم الغيب، وما في اللوح، والقلم، وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

وهذا من الغلو - والعياذ بالله - الذي أفضى به إلى الشرك الأكبر المخرج من الملة، فالرسول بشر لا يملك شيئًا، إنما يملك البلاغ، قال تعالى: ﴿إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ [الشورى: 48]، وأن يؤدي ما عليه من البلاغ صلى الله عليه وسلم، أما أن يتخذ إلهًا مع الله، أو أن الله يُنسى، ويجعل الرسول هو الذي يتصرف، ويطلب منه المغفرة، ويطلب منه الحوائج وهو ميت صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الغلو الذي أوقع النصارى بأن قالوا: المسيح ابن الله، أو ثالث ثلاثة، أو هو الله والعياذ بالله.

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَطْرُونِي» أي: لا تزيدوا في مدحي «كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» ([1])، وقال صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، واللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللهُ» ([2]).


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (3445).

([2])  أخرجه: النسائي في الكبرى رقم (10006)، وأحمد رقم (12551)، والبيهقي في الشعب رقم (4529).