وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَأَوَّلُ
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ
إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ
لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا﴾ [النساء: 64]،
وَيَقُولُونَ: إذَا طَلَبْنَا مِنْهُ الاِسْتِغْفَارَ بَعْدَ مَوْتِهِ كُنَّا
بِمَنْزِلَةِ الَّذِينَ طَلَبُوا الاِسْتِغْفَارَ مِنْ الصَّحَابَةِ
وَيُخَالِفُونَ بِذَلِكَ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ
بِإِحْسَانِ وَسَائِرَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يَطْلُبْ
مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ مَوْتِهِ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ وَلاَ
سَأَلَهُ شَيْئًا وَلاَ ذَكَرَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي
كُتُبِهِمْ وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ مُتَأَخِّرِي
الْفُقَهَاءِ وَحَكَوْا حِكَايَةً مَكْذُوبَةً عَلَى مَالِكٍ رضي الله عنه
سَيَأْتِي ذِكْرُهَا وَبَسْطُ الْكَلاَمِ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
**********
الشرح
ربما يستدلون بهذه الآية: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡتَغۡفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّابٗا رَّحِيمٗا﴾ ويظنون أن هذه في حال وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أن الآية نزلت في قصة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي أن قومًا أرادوا التحاكم إلى الطاغوت، وترك التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فالله فضحهم، قال تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوٓاْ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوٓاْ أَن يَكۡفُرُواْ بِهِۦۖ وَيُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَۢا بَعِيدٗا﴾ [النساء: 60] إلى قوله تعالى: ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ﴾ [النساء: 64]، لمَّا حصلت منهم هذه الخطيئة تابوا إلى الله تاب الله عليهم، ﴿إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ﴾ بالشرك والكفر والإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث تعدوه بتحكيم غيره، وهذا تنقص لقدر الرسول صلى الله عليه وسلم، واتهام له بأنه لا ينصف ولا يعدل، ﴿إِذ ظَّلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ جَآءُوكَ