×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الأول

كان يشتري المعذبين؛ لأن الذين أسلموا في مكة من العبيد كان المشركون يعذبونهم من أجل أن يرتدوا عن الإسلام، فيأتي أبو بكر رضي الله عنه فيشتريهم ويعتقهم، ومن هؤلاء بلال رضي الله عنه، فقد جاء في الأثر: أَنَّ بِلاَلاً أَخَذَهُ أَهْلُهُ فَمَطُّوهُ - أي: مدوه - وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ مِنَ الْبَطْحَاءِ - أي: الزبل - وَجِلْدِ بَقَرَةٍ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: رَبُّكَ اللاَّتُ وَالْعُزَّى، وَيَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ، قَالَ: فَأَتَى عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: عَلاَمَ تُعَذِّبُونَ هَذَا الإِْنْسَانَ؟ قَالَ: فَاشْتَرَاهُ بِسَبْعِ أَوَاقٍ فَأَعْتَقَهُ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «الشَّرِكَةَ يَا أَبَا بَكْرٍ»، فَقَالَ: قَدْ أَعْتَقْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ([1]).

فهذا العمل الجليل من أبي بكر رضي الله عنه لا يقصد به إلا وجه الله سبحانه وتعالى.

قوله: «وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحْتَاجًا فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ لاَ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَلاَ غَيْرِهِ». كان أبو بكر رضي الله عنه يجود على النبي صلى الله عليه وسلم لا بمعنى أنه يجود على نفس النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول أغناه الله من عنده، وإنما يجود عليه بما ينفقه في سبيل الله، فكان يجود في الأزمات التي تعرض للرسول صلى الله عليه وسلم في سبيل الله، فهو لا يعطيه شيئًا لنفسه، وإنما يعطيه شيئًا للمسلمين على يد الرسول صلى الله عليه وسلم.

قوله: «بَلْ لَمَّا قَالَ لَهُ فِي سَفَرِ الْهِجْرَةِ...». لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الهجرة صحب معه أبا بكر رضي الله عنه، وكان عند أبي بكر رضي الله عنه راحلتين أراد أن يعطي النبي صلى الله عليه وسلم، ويهب له واحدة منهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «بِالثَّمَنِ»؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يأخذ الراحلة دون ثمن، فدل على أنه لا يأخذ من أبي بكر ولا من غيره شيئًا لنفسه، وإنما يأخذه في سبيل الله.


الشرح

([1])  أخرجه: ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 232)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 442).