قوله: «فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ
اضْطِرَابِ النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ مِنْ
الإِْجْمَالِ وَالاِشْتِرَاكِ فِي الأَْلْفَاظِ وَمَعَانِيهَا» نعم، سبب
الضلال هو ما يقع في بعض الألفاظ من الاشتراك في معانيها، وهذا يحتاج إلى العلماء
الذين يبينون المعاني؛ لأن أنواع الأدلة: إما أن يكون دلالة مطابقة، أو دلالة تضمن،
أو دلالة التزام لما بين الألفاظ من الاشتراك في المعاني، وهذا لا يعرفه إلا
المختصون من أهل العلم، فهؤلاء الذين وقعوا في بدعة التوسل أو شركية التوسل إنما
أوتوا من جهلهم بمعاني كلام الله سبحانه وتعالى، فالمجمل يُبين، وليس هناك شيء
مجمل لم يُبيَّن، ما أجمله الله في موضع فصَّله في موضع آخر، وما أجمله الرسول صلى
الله عليه وسلم في موضع فصله في موضع آخر، فلا بد من الجمع بين الأدلة كلها؛ لأنها
يُفصل بعضها ببعض.
وهذا من رد المتشابه إلى المحكم، وهي طريقة الراسخين في العلم، ولا يُقطع
طرف ويُترك الباقي، إما بقص التضليل ويكون هذا عن علم، وإما أن يكون عن جهل،
والجاهل لا يصلح أنه يتكلم في القرآن والسنة، ولا يصلح أن يؤخذ دليل ويترك الثاني،
ولا أن يؤخذ المنسوخ ويترك الناسخ، وهذه أمور تحتاج إلى ضوابط وتحتاج إلى العلماء،
ولهذا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:
فَعَلَيْكَ بِالتَّفْصِيلِ وَالتَّمْيِيزِ فَال |
إِطْلاَقِ والإِجْمَالِ دُونَ بَيَانِ |
قَدْ أَفْسَدَا هَذَا الْوُجُود وَخَبَّطَا |
الأَذْهَان وَالآرَاء كُلَّ زَمَانِ |
فالآفة إنما تأتي من أناس لا يعرفون المجمل والمفصل، والمطلق والمقيد، لا
يعرفون هذه الأمور، أو يعرفونها ويضللون الناس.
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد