قوله: «وَيُرَادُ بِهِ الْقَبُولُ
وَالاِسْتِجَابَةُ مَعَ الْفَهْمِ». وهذا معنى رابع، يُراد بالسماع: القبول
والاستجابة له مع الفهم، ويؤخذ هذا من قوله سبحانه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ وَأَنتُمۡ
تَسۡمَعُونَ ٢٠وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ
٢١﴾ [الأنفال: 20، 21]، قالوا سمعنا بآذانهم، فهم يسمعون
الصوت ويفهمون معناه، ولكنهم لا يسمعون سماع إجابة وقبول، فالمنفي عنهم هو سماع
الإجابة والقبول، قال تعالى ﴿وَلَوۡ
عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمۡ خَيۡرٗا لَّأَسۡمَعَهُمۡۖ وَلَوۡ أَسۡمَعَهُمۡ
لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ﴾ [الأنفال: 23]، هذا هو السبب أنهم يسمعون ويفهمون، لكن
لا يعملون ولا يستجيبون، فصرفهم الله عز وجل، فلم ينتفعوا بما يسمعون. فقوله:
﴿لَّأَسۡمَعَهُمۡۖ﴾ المراد به: سماع
إجابة واستجابة، وأما أنهم يسمعون، فهم ليسوا صمًّا، وإنما يسمعون ويفهمون؛ لأنهم
عرب فصحاء، ولكنهم لا يريدون الإجابة، فحرمهم الله سبحانه وتعالى لأنه لم يعلم
فيهم خيرًا.
قوله: «فَذَمَّهُمْ بِأَنَّهُمْ لاَ يَفْهَمُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ فَهِمُوهُ لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ». فهم يسمعون القرآن ويفهمونه؛ لأنه بلغتهم، ولكنهم لا يعملون به، ولذلك لمَّا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «قُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، تُفْلِحُوا». قالوا: إِلَهًا واحدًا، مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآْخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ. فنزل فيهم قول الله تعالى: ﴿صٓۚ وَٱلۡقُرۡءَانِ ذِي ٱلذِّكۡرِ ١بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي عِزَّةٖ وَشِقَاقٖ ٢﴾ [ص: 1- 2] إلى قوله تعالى: ﴿مَا سَمِعۡنَا بِهَٰذَا فِي ٱلۡمِلَّةِ ٱلۡأٓخِرَةِ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا ٱخۡتِلَٰقٌ﴾ [ص: 7] ([1]). فهم فهموا ما المراد بـ «لا إله إلا الله»، وأن معناها: إفراد الله بالعبادة، وترك عبادة ما سواه، فلما فهموا ذلك تمردوا وعتوا، ولم يستجيبوا لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم.
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (3232)، وأحمد رقم (16023).
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد