وقوله: «حَقُّهُمْ عَلَيْهِ
أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ». هذا حق تفضل الله به، وليس واجبًا عليه سبحانه،
وأوجب على نفسه سبحانه وتعالى ألا يُعذب من لا يشرك به شيئًا، وهذا من باب الوعد
الكريم منه جل وعلا أنه لا يعذب من لا يُشرك به شيئًا وهذا راجع إلى مشيئته؛ كما
في قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا
يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ﴾ [النساء: 48]، فهو
راجع إلى مشيئته فقد يعذبه، وقد لا يعذبه، وإذا عذبه، فلا يخلده في العذاب، بل
يخرجه ويدخله الجنة بالتوحيد الذي معه.
فهذا حديث مطلق يُقيد بالنصوص الأخرى من أن هذا راجع إلى مشيئة الله سبحانه
وتعالى.
وفي هذا الحديث قال معاذ سبحانه وتعالى: هل أبشر الناس يا رسول الله؟ فقال
صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُبَشِّرْهُمْ،
فَيَتَّكِلُوا». فهذا فيه دليل على أن بعض أنواع العلم لا تُنشر في الناس،
وإنما يطلع عليها العلماء فقط، فالرسول صلى الله عليه وسلم إنما أطلع معاذًا رضي
الله عنه على هذا، ونهاه أن يخبر به الناس مخافة أن يتكلوا على هذا، فيتركوا
الأعمال، ويتساهلوا بالذنوب والسيئات، ويقولوا: نحن لا نشرك بالله شيئًا، وما عدا
الشرك فلا يضرنا. فيترتب على هذا مفسدة راجحة؛ فلهذا يُكتم العلم لمصلحة راجحة،
ولا يُعطى مثل هذا إلا لأهل العلم سرًّا، ولا يُعطى للعوام، فدل على جواز كتمان
العلم للمصلحة، فيكون مستثنى من قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ
يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ
لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ
١٥٩إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصۡلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَٰٓئِكَ أَتُوبُ عَلَيۡهِمۡ
وَأَنَا ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ١٦٠﴾ [البقرة: 159، 160]، هذا
مخصص في مثل هذه الحالة.
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد