قوله: «وَمِنْهَا: أَنَّ الرَّبَّ
تَعَالَى أَمَرَ الْعِبَادَ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَنَهَاهُمْ عَمَّا يُفْسِدُهُمْ
كَمَا قَالَ قتادة: إنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ الْعِبَادَ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ
لِحَاجَتِهِ إلَيْهِمْ وَلاَ يَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ بُخْلاً
عَلَيْهِمْ بَلْ أَمَرَهُمْ بِمَا يَنْفَعُهُمْ وَنَهَاهُمْ عَمَّا يَضُرُّهُمْ.
بِخِلاَفِ الْمَخْلُوقِ الَّذِي يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ
وَيَنْهَاهُ عَمَّا يَنْهَاهُ بُخْلاً عَلَيْهِ». من الفروق بين الخالق
والمخلوق: أن الله سبحانه وتعالى في أوامره ونواهيه إنما أراد بها مصلحة العباد،
فأمرهم ونهاهم لمصلحتهم، فإذا أطاعوا أمره أكرمهم، وإذا عصوا أمره عذبهم، فهذا
لصالحهم، فأمرهم ونهاهم ليدفع عنهم العذاب، وليجلب لهم الخير لحاجتهم هم إلى هذا،
أما الملوك فيأمرون الوزراء ورجالهم بما فيه مصلحتهم لا مصلحة المأمورين، فهم
يستخدمونهم وينتفعون بخدمتهم، فهذا فرق بين الخالق والمخلوق، فالخالق إنما يأمر
العباد لمصلحتهم وينهاهم لمصلحتهم، لا لأنه محتاج إلى ذلك، قال موسى عليه السلام: ﴿إِن تَكۡفُرُوٓاْ أَنتُمۡ
وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [إبراهيم: 8]، لا
ينقصه شيء، ولو أنهم أطاعوه كلهم ما زاد ذلك في ملكه شيئًا، وإنما نفع ذلك أو ضرره
عائد إليهم، فمن رحمته سبحانه: أنه يأمرهم بما يصلحهم، وينهاهم عما يضرهم، فأوامره
ونواهيه رحمة منه جل وعلا لعباده، لا أنه يستفيد من وراء ذلك، فإنه غني بدون ذلك،
فهذا فرق بين الخالق والمخلوق.
قوله: «بِخِلاَفِ الْمَخْلُوقِ الَّذِي
يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَيَنْهَاهُ عَمَّا يَنْهَاهُ بُخْلاً
عَلَيْهِ». فهو يأمر من يأمر؛ لأنه محتاج إلى فعله وخدمته، فيأمره بما فيه
مصلحته هو، وينهاه عما ينهاه عنه بخلاً عليه، أما الله فينهى من باب الرحمة.
ذكر الفقهاء رحمهم الله ما يشترط في الإمام والخطيب بأن يكون مؤهلاً تأهيلاًً علمياً ومن أهم ذلك أن يكون مجيداً لقراءة كتاب الله عز وجل عارفاً بمعانيه ، وأن يكون فقيهاً ولو على الأقل بأحكام الصلاة وما ينوبها وما يحتاجه الإمام في صلاته هذا الحد