وَمِنْهَا أَنَّهُ
سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُنْعِمُ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ وَهُوَ
الْمُنْعِمُ بِالْقُدْرَةِ وَالْحَوَاسِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا بِهِ يَحْصُلُ
الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَهُوَ الْهَادِي لِعِبَادِهِ فَلاَ حَوْلَ
وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِهِ. وَلِهَذَا قَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي
هَدَىٰنَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهۡتَدِيَ لَوۡلَآ أَنۡ هَدَىٰنَا ٱللَّهُۖ
لَقَدۡ جَآءَتۡ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلۡحَقِّۖ﴾ [الأعراف: 43]،
وَلَيْسَ يَقْدِرُ الْمَخْلُوقُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا
أَنَّ نِعَمَهُ عَلَى عِبَادِهِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُحْصَى فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ
الْعِبَادَةَ جَزَاءُ النِّعْمَةِ لَمْ تَقُمْ الْعِبَادَةُ بِشُكْرِ قَلِيلٍ
مِنْهَا فَكَيْفَ وَالْعِبَادَةُ مِنْ نِعْمَتِهِ أَيْضًا.
وَمِنْهَا
أَنَّ الْعِبَادَ لاَ يَزَالُونَ مُقَصِّرِينَ مُحْتَاجِينَ إلَى عَفْوِهِ
وَمَغْفِرَتِهِ فَلَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ وَمَا مِنْ أَحَدٍ
إلاَّ وَلَهُ ذُنُوبٌ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى مَغْفِرَةِ اللَّهِ لَهَا: ﴿وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ
بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ﴾ [فاطر: 45].
وَقَوْلُهُ
صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ» ([1])، لاَ يُنَاقِضُ
قَوْله تَعَالَى ﴿جَزَآءَۢ بِمَا
كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [السجدة: 17].
فَإِنَّ
الْمَنْفِيَّ نُفِيَ بِبَاءِ الْمُقَابَلَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ كَمَا يُقَالُ بِعْت
هَذَا بِهَذَا وَمَا أُثْبِتَ أُثْبِتَ بِبَاءِ السَّبَبِ فَالْعَمَلُ لاَ
يُقَابِلُ الْجَزَاءَ وَإِنْ كَانَ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ.
وَلِهَذَا
مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ قَامَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لاَ يَحْتَاجُ إلَى
مَغْفِرَةِ الرَّبِّ تَعَالَى وَعَفْوِهِ فَهُوَ ضَالٌّ كَمَا ثَبَتَ فِي
الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَنْ يَدْخُلَ
أَحَدٌ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ
وَلاَ أَنَا إلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةِ مِنْهُ وَفَضْلٍ»
وَرُوِيَ: «بِمَغْفِرَتِهِ» ([2]).
**********
الشرح
قوله: «وَمِنْهَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُنْعِمُ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ