×
شرح قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة الجزء الأول

قوله: «وَمِنْهَا أَنَّ الْعِبَادَ لاَ يَزَالُونَ مُقَصِّرِينَ مُحْتَاجِينَ إلَى عَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ فَلَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ وَمَا مِنْ أَحَدٍ إلاَّ وَلَهُ ذُنُوبٌ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى مَغْفِرَةِ اللَّهِ لَهَا: ﴿وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ». هذا متفرع عن الوجه الذي قبله، إذا كان العمل الصالح والعبادة والصلاح من الله جل وعلا، هو الذي وفق العبد وهداه وأعانه عليها، فإن عمل العبد من نعم الله عز وجل، فعمل العبد لو وُزن بالنعم لم يقابل أقل نعمة من نعم الله عليه، ولكن الله يدخله الجنة برحمته لا بعمله، إنما العمل سبب لدخول الجنة، وليست الجنة ثمنًا للعمل مثل ما يعمل الأجير عند المؤجر؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ﴿وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ [فاطر: 45]، فلو أنه حاسبهم على نعمه، فأعمالهم لا تبلغ أقل نعمة من نعمه عليهم، فيستحقون عذابه؛ لأنهم لم يشكروه حق الشكر، ولم يعبدوه حق العبادة؛ لأن عملهم قليل جدًّا بالنسبة لنعم الله، فالله جل وعلا لو حاسبهم على نعمه وأعمالهم ما قبلت أعمالهم شيئًا من نعمه إلا القليل، وحينئذ يستحقون العذاب على تقصيرهم، وعدم قيامهم بحق الله جل وعلا على الوجه الكامل؛ ولهذا قال جل وعلا: ﴿وَلَوۡ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَآبَّةٖ [فاطر: 45].

قوله: «وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ»لاَ يُنَاقِضُ قَوْله تَعَالَى ﴿جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ لأن الباء مختلفة، وهي تأتي بمعان، فجاءت في الآية بمعنى، وجاءت في الحديث بمعنى آخر، فالباء قد تكون باء العوض، وقد تكون سببية، فالباء المنفية «لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ» هي باء العوض، والباء المثبتة ﴿بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ [السجدة: 17]. 


الشرح